للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرأت على محمد بن الحسن عن أحمد بن سليمان عن ابن أخت أبي الوزير عن ابن الأعرابي١:

فإنما أنت أخ لا نعدمه

أي: لا نعدمه؛ فنقل ضمة الهاء إلى الميم، كما قال الآخر٢:

عجبت والدهر كثير عجبه ... من عنزي سبني لم أضربه٣

أي: لم أضربه، وهذا واسع عنهم كثير.

وكما أن لام الجر قد تفتح مع المظهر في ما حكيناه من قراءة سعيد بن جبير: "وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الْجِبَالُ"٤ وغير ذلك، فكذلك قد فتحت لام الأمر في ما حكيناه عن الفراء من قولهم: "ليقم زيد". والعلة في فتح هاتين اللامين في هذه المواضع القليلة أن أصل حركتهما الفتح، فربما خرجتا على أصلهما.

واعلم أن هذه اللام الجازمة لا تضمر إلا في ضرورة الشعر، كما أن حرف الجر لا يحذف إلا في الضرورة. قرأت على أبي علي، قال: أنشد أبو زيد٥:

فتضحي صريعًا ما تجيب لدعوة ... ولا تسمع الداعي ويسمعك من دعا٦

أي: وليسمعك.


١ ابن الأعرابي: البيت نسبه صاحب مجالس ثعلب إلى أبي محمد الحذلي "ص١٩٥".
٢ قال الآخر: البيتان لزياد الأعجم كما في الكتاب "٢/ ٢٨٧".
٣ يقول الشاعر: تعجبت والدهر فيه عجائب كثيرة من رجل عنزي -ينسب إلى عنزة بن أسد بن ربيعة- سبني وشتمنى وأنا لم أضربه أو أصبه بسوء.
٤ مكر: خداع، وأن تصرف غيرك عن مقصده بحيلة.
تزول: تتحول وتنتقل.
٥ أبو زيد: ذكر أبو علي البيت ونسبه إلى عمران بن حطان.
٦ صريعًا: مغوبًا.
تجيب: أي ترد وتقضي الحاجة وتفيد عما تسأل.
ويقول الشاعر: أنك أصبحت في عداد الصرعى فأصبحت صريعًا لا تستطيع أن تجيب أو ترد على أي دعوة توجه إليك؛ فأنت لا تسمع الداعي الذي يدعوك ويسمعك الذي دعا.
وأسلوب البيت فى جملته خبري غرضه التحسر والتوجع.
الشاهد فيه جزم الفعل "يسمعك" بلام أمر مضمرة للضرورة الشعرية وهذا يكون أغلبه في الشعر.

<<  <  ج: ص:  >  >>