للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما مهدد- وإن كان علمًا بدلالة قول الأعشى١:

وما ذاك من عشق النساء وإنما ... تناسيت قبل اليوم خلة مهددًا٢

فإنا إنما حملناه على أنه فعلل، ولم نحمله على أنه مفعل مظهر التضعيف لضرورة العلم؛ لأنا قد وجدنا في كلامهم "م هـ د" متصرفًا؛ فحملنا على هذا دون أن نحمله على أنه من "هـ د د" لما فيه من الضرورة، فاعرف ذلك.

واعلم أن الأعلام إنما جازت فيها هذه المخالفة للجمهور من قبل أنها كثر استعمالها؛ فجاز فيها من الاتساع ما لم يجز في ما قل استعماله من الأجناس، وكما غيرت في أنفسنا وذواتها؛ فكذلك غير إعرابها أيضًا عما عليه حكم إعراب النكرات. ألا تراهم يقولون لمن قال مررت بزيد: من زيد؟ ولمن قال ضربت بكرًا: من بكرًا؟ ولا يقولون لمن قال رأيت رجلًا: من رجلًا. ولا: من غلام؟ لمن قال نظرت إلى غلام.

واعلم أنك إذا حصلت حرفين أصليين في أولهما ميم أو همزة، وفي آخرهما ألف فاقض بزيادة الميم والهمزة، وذلك أنا اعتبرنا اللغة فوجدنا أكثرها على ذلك، إلا أن تجد ثبتًا تترك هذه القضية إليه؛ وذلك نحو موسى، وأروى٣، وأفعى، ومثالهما مفعل، وأفعل، وذلك أن مفعلًا في الكلام أكثر من فعلى، وأفعل أكثر من فعلى، ألا ترى أن زيادة الميم أولًا أكثر من زيادة الألف رابعة.

وأما مِعْزى، لقولهم مَعْز، ومَعَز، ومَعِيز.

وأما أرطى٤ ففعلى، لقولهم: أديم مأروط٥.


١ البيت في ديوانه ص "١٨٥".
٢ عشق النساء: أي حبهن أشد الحب، والنساء: جع امرأة من غير لفظه.
تناسيت: أي ادعيت فقدانًا مؤقتًا لما حفظه ذهني من صور وأفكار وكلام.
خلة: الخلة الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله أي في باطنه "ج" خلال.
ويؤكد الشاعر على تناسيه لحب عشيقته مهدد.
٣ أروى: اسم امرأة.
٤ أرطى: شجر ينبت بالرمل يدبغ به.
أديم مأروط: أي أديم مدبوغ بشجر الأرطى.

<<  <  ج: ص:  >  >>