للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: فهلا عكس الأمر؛ فجعلت النون مع الإضافة عوضًا من الحركة، فثبتت، فقلت: "غلامانِ زيدٍ"، ومع اللام عوضًا من التنوين؛ فحذفت، فقلت: "قام الرجلا"؟

فالجواب: أنهم لو فعلوا ذلك لوجب أن يقولوا قام غلامان زيد؛ فيجمعوا على الاسم زيادتين في آخره؛ فكان يميل بهما لأنهما توالتا فيه من جهة واحدة، وإنما الحكمة في الذي فعلوه إذ جعلوها مع اللام عوضًا من الحركة؛ فقالوا: قام الرجلان، لتتباعد الزيادتان، فتكون إحداها في أول الاسم والأخرى في آخره؛ فَيسِطَ الاسم حاجزًا بينهما، وكان ذلك أوفق من أن يقولوا: "قام غلامان زيد"، فتجتمع الزيادتان في موضع واحد.

ونظير هذا في ما ذكره أبو علي إعلال العرب الفاء واللام في نحو: "عِ كلامًا"، و"شِ ثوبًا"، و"فِ بالعهد"، ولم يعلوا العين واللام إلا شاذًا، ولا الفاء والعين البتة كراهية منهم لتوالي إعلالين.

ونظير آخر لذلك، وهو كراهيتهم أن يقولوا في النداء: "يا الرجل"، و"يا الغلام"؛ لئلا يجمعوا بين "يا" وهي للإشارة، وبين اللام، وهى للتعريف؛ فكرهوا أن يجمعوا بين حرفين متقاربي المعنين، ثم قالوا مع هذا: يا عبد الله، فجمعوا بين "يا" والإضافة التي هي للتعريف؛ لأنهما تباعدا؛ فكان أحدهما في أول الاسم والآخر في آخره.

فإن قال قائل: فإذا كان الأمر على ما ذكرته فما تقول في قولهم في تثنية أحمر وأصفر وحمراء وصفراء، ونحو ذلك مما لا ينصرف معرفة ولا نكرة: أحمران وأصفران وحمراوان وصفراوان، والنون هنا بدل من ماذا هي؟ هل هي بدل من الحركة والتنوين جميعًا، أو بدل من الحركة وحدها، أو بدل من التنوين وحده؟

فالجواب: أنها بدل من الحركة والتنوين جميعًا.

فإن قلت: فإن أحمر وصفراء لا تنوين فيهما!

فهو كذلك؛ إلا أنك لما ثنيت الاسم، فأبعدته عن شبه الفعل بالتثنية؛ إذ الفعل لا تصح تثنيته، زال عنه ترك الصرف لزوال شبه الفعل عنه، فقُدر فيه في التثنية

<<  <  ج: ص:  >  >>