للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال امرء القيس:

صم صداها وعفا رسمها ... واستعجمت عن منطق السائل١

فإن قال قائل فيما بعد: إن جميع ما قدمته يدل على أن تصريف "ع ج م" في كلامهم موضوع للإبهام، وخلاف الإيضاح، وأنت إذا قلت: أعجمت الكتاب، فإنما معناه أوضحته وبينته، فقد ترى هذا الفصل مخالفا لجميع ما ذكرته، فمن أين لك الجمع بينه وبين ما قدمته؟ ٢

فالجواب: أن قولهم أعجمت وزنه أفعلت، وأفعلت هذه وإن كانت في غالب أمرها إنما تأتي للإثبات والإيجاب، نحو: أكرمت زيدا، أي أوجبت له الكرامة، وأحسنت إليه، أثبت الإحسان إليه، وكذلك أعطيته وأدنيته وأسعدته وأنقذته، فقد أوجبت جميع هذه الأشياء له -فقد تأتي أفعلت أيضا يراد بها السلب والنفي، وذلك نحو: أشكيت زيدا: إذا زلت٣ له عما يشكوه.

أنشدنا أبو علي قال: أنشد أبو زيد:

تمد بالأعناق أو تلويها ... وتشتكي لو أننا نشكيها٤

أي لو أننا نزول لها عما تشكوه.


١ الصمم: انسداد الأذن، وثقل السمع، والفعل منه "صم" بالإدغام. اللسان "٤/ ٢٥٠٠".
والصدى: ما يرجع عليك من صوت الجبل، وإسناد الصمم إلى الصدى لتخيل أن الصدى يسمع المتكلم فيجيب، فإذا لم يجب فكأن به صمما. اللسان "٤/ ٢٤٢٢".
واستعجمت الدار: سكتت، ولذلك عداه يعن، والمراد أن هذه الدار لم تجب السائل عما يسأل، وذهبت آثارها التي تدل على أصحابها. مادة "ع. ج. م" اللسان "٤/ ٢٨٢٨".
٢ فمن أين لك الجمع بينه وبين ما قدمته؟: أسلوب استفهام يفيد التشوق والتقرير.
٣ زلت: تنحيت له عما يشكوه. اللسان "٣/ ١٨٥٦". مادة "ز. ل. ل".
٤ نشكيها: ننزع لها عن شكايتها وعتابها. مادة "ش. ك. أ". اللسان "٤/ ٢٣١٤".
والراجز هنا يصف أبلا قد أتعبها السير فهي تلوي أعناقها تارة، وتمدها أخرى، وتشتكي إلينا، فلا ننزع لها عن شكايتها.
شكواها: ما غلبها من سوء الحال والهزال، وهذا يقوم مقام كلامها.
وبين "تمد، تلويها" طباق يبرز المعنى بالتضاد ويزيده وضوحا.

<<  <  ج: ص:  >  >>