للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومحال أن يقع على التأنيث إلا آخرًا طرفًا، ولهذا قال أصحابنا١: إن من قال في الإضافة إلى دنيا: دنياوي، فإن الألف في دنياوي ليست الألف التي في دنيا، وذلك أنه لما آثر في الإضافة مد الكلمة زاد قبل الألف التي في دنيا ألفا أخرى، فالتقت ألفان، فوجب تحريك الآخرة، فانقلبت في التقدير همزة وإن لم يخرج ذلك إلى اللفظ، فصار التقدير دنياء، ثم نسب إليها، فقال دنياوي كما تقول في حمراء: حمراوي، وإنما زاد الألف قبل ألف دنيا، وجعل ألف دنيا آخرًا طرفًا منقلبة همزة لئلا يقع علم التأنيث حشوًا، فاعرف ذلك، فان له نظائر في كلام العرب.

وإذا كان الأمر كذلك فقد وجب بما ذكرناه على من قال هذا مسلمينٌ، فجعل النون حرف الإعراب، ولزم الياء قبلها البتة أن يقول في المؤنث هذه مسلماتٌ، فيوافق الذين يقولون هذا مسلمون، لما ذكرناه من كراهيتهم مصير علم التأنيث حشوا في مُسلماتِنٌ لو تكلفه متكلف.

فأما من قال: هيهاتَ هيهاتَ، ففتح، فحكمه أن يقف بالهاء لأنها بمنزلة علقاة وأرطاة٢، وهيهاتَ -على هذا- اسم واحد كما أن علقاة وأرطأة اسم واحد، فمن نون، فقال هيهاةٌ فإنه نوى النكرة على ما قدمناه في صَهٍ وإِيهٍ، فكأنه قال: بُعدًا بُعدًا، ومن لم ينون فإنه نوى المعرفة، فكأنه قال: البعدَ البعدَ.

فأما إذا صرت إلى الجماعة فإن نظير قول من فتح الهاء في الواحد، فقال هيهاتَ، أن يقول في الجماعة هيهاتِ، فيكسر التاء في الجماعة بغير تنوين، كما فتح الهاء في الواحد بغير تنوين، ومن كان يقول في الواحد هيهاةٌ فينون، ويعتقد التنكير، فنظيره في الجماعة أن يقول هيهاتٍ، فيكسر التاء وينون إرادة للتنكير، كما أنه لما أراد التعريف لم ينون، فقال هيهاتِ، وذلك أن بإزاء فتح تاء الواحد كسر تاء الجماعة، والتنوين على هذا في هيهات هو علم التنكير بمنزلة تنوين صهٍ ومهٍ وإيهٍ، وتكون هيهاةٌ وهيهاتٍ عنده معربة منصوبة على الظرف فإن التنوين في هيهاتٍ عنده بمنزلة تنوين مسلماتٍ لا فرق بينهما، فيجوز في هيهاتٍ على هذا أن تكون نكرة.


١ الكتاب "٢/ ٧٧".
٢ أرطاة: واحدة الأرطى، وهو شجر يدبغ به.

<<  <  ج: ص:  >  >>