للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لم يمنعِ الشربَ منها غير أن نطقت ... حمامةٌ في غُصون ذات أوْقالِ١

فكما بُنيت هذه الأشياءُ وغيرها مما يطول ذكره من حيث كانت مضافة إلى مبني، فاكتست من معناه في البناء، كذلك أيضًا بني "يوم" لإضافته إلى "ذا" المبنية في قراءة من قرأ: "من عذاب يومئذ"، فإذا صح بما ذكرناه أن "إذ" مبنية علمت أن الكسرة في ذالِ "يومئذ" إنما هي حركة ساكنين، وهما هي والتنوين، وأن ماعدا هذا القول فساقط غير متقبل.

فإن قال قائل: فإذا كانت "إذ" إنما بنيت من حيث كانت متقطعا منها ما أضيفت إليه أو مضافة إلى جملة، تجري الإضافة إليها مجرى لا إضافة، فهلا أعربت لما أضيفت إلى المفرد في نحو قولهم: قمتُ إذ ذاك، وفعلتُ إذ ذاك، قال٢:

هل ترجعَنَّ ليالٍ قد مضينَ لنا ... والعيشُ منقلبٌ إذْ ذاك أفنانا٣

فالجوابُ أن هذه مغالطة من السائل، وذلك أن "ذاك" في قولنا: فعلت إذ ذاك، ليست مجرورة ولا "إذ" مضافًا إليها وحدها، وإنما "ذاك" في هذا الموضع مرفوعة بالابتداء، وخبرها محذوف، والتقدير: فعلت إذ ذاك كذلك، فحذف خبر المبتدأ تخفيفًا وعلمًا بأن "إذ" لا تضاف إلى المفرد، وإذا كانوا قد حذفوا خبر المبتدأ في الموضع الذي يجوز أن تكون الإضافة فيه إلى الواحد، نحو ما أنشده سيبويه من قوله:

أيامَ جُمْلٌ خليلا لو يخاف لها ... هجرا لخولط منه العقل والجسد٤


١ البيت ذكره صاحب الكتاب "٢/ ٣٢٩" ونسبه إلى شاعر من كنانة، وذكره صاحب الخزانة "٢/ ٤٥"، ونسبه إلى أبي قيس بن الأسلت.
والشاهد في قوله "غيرَ أنْ".
٢ قال: قيل هو أعرابي من بني تميم.
٣ البيت نسبه صاحب مغني اللبيب إلى رجل أعرابي من بني تميم "٢/ ١٧٦"، وذكره صاحب الأغاني "١٠/ ٢٨٩" إلى عبد الله بن المعتز.
والشاهد في قوله "إذ" حيث يرى ابن جني أنها أضيف إلى مبتدأ "ذاك" وهي هنا مضافة إلى جملة اسمية.
٤ البيت نسبه صاحب الكتاب "١/ ٣٢٩" إلى الأخطل.
والشاهد في قوله "أيام" حيث أضيفت إلى جملة اسمية "مبتدأ + خبر" في المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>