للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأما قول بعضهم١:

لو شئت قد نَقَعَ الفؤادُ بشربةٍ ... تدعُ الحوائمَ لا يجُدن غليلا٢

بضم الجيم فلغة شاذة غير معتد بها لضعفها وعدم نظيرها ومخالفتها لما عليه الكافة مما هو بخلاف وضعها ورأيناهم مع ذلك إذا كان الماضي على "فَعَلَ" ولامه واو فعين مضارعه أبدًا مضمومة، وذلك نحو "غَزَوْتُ أَغْزُو" و"دَعَوْتُ أَدْعُو". وهذا أيضًا أصل مستمر غير منكسر، فلو صاغوا مثل "وَعَوْتُ" لوجب عليهم في المضارع أن يكسروا العين كما كسروا عين "يعد" وأن يضموها أيضًا كما يضمون عين "يغزو" فلما كان بناؤهم مثل "وعوت" يدعوهم إلى أن تكون العين في المضارع مضمومة مكسورة في حال واحد رفضوه البتة فلم يبنوه مخافة أن يصيروا إلى التزام جمع بين حركتين ضدين في حرف واحد.

فإن قلت: فهلا بنوه على "فعُلت" بضم العين، فقالوا: "وَعُوتُ أَوْعُو" وأجروه في ضم عينه بعد الفاء التي هي واو مجرى "وَضُؤَتْ تَوْضُؤُ" و"وَطُؤَ الدابةَ يَوْطُؤُ"؟

فالجواب: أن "فعَلت" أكثر في الكلام من "فعُلت" ألا ترى أن "فعُلت" لا يكون إلا لتنقل الهيئة والحال نحو: ما كان كريمًا ولقد كَرُمَ، وما كان ظريفًا ولقد ظَرُفَ، وما كان جميلا ولقد جَمُلَ، وما كان صبيحا ولقد صَبُحَ، وهي أيضًا غير


١ البيت لجرير في ديوانه "ص٤٥٣" وهو ثاني بيت في قصيدة يهجو فيها الفرزدق وعدتها عشرون بيتا وفيه "يجِدن" بكسر الجيم على القياس، ولا شاهد فيه حينئذ.
٢ نفع: روى. لسان العرب "٨/ ٣٦١".
الحوائم: جمع حائم وهو الإبل العطاش جدًّا لسان العرب ١٢/ ١٦٢.
الغليل: حر الجوف. لسان العرب "١١/ ٤٩٩".
والشاهد فيه مجيء "يجُدن" مضموم الجيم وقد حكم عليه ابن جني بالشذوذ.
إعراب الشاهد:
يجدن: فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة.
ونون النسوة: ضمير مبني في محل رفع فاعل.
غليلا: مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة.
وجملة "لا يجدن غليلا" في محل نصب حال وصاحبه الحوائم قبلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>