للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا الخلاف بين العلماء في آحاد الجموع سائر عنهم مطرد من مذاهبهم، وإنما سببه وعلة وقوعه بينهم أن مثال جمع التكسير تفقد فيه صيغة الواحد فيحتمل الأمرين والثلاثة ونحو ذلك، وليس كذلك مثال جمع التصحيح.

ألا ترى أنك إذا سمعت "زَيُدُون" و"عَمْرُون" و"خالِدُون" و"محمدُون" لم يعرض لك شك في الواحد من هذه الأسماء، فهذا يدلك على أنهم بتصحيح هذه الأسماء في الجموع معنيون، ولبقاء ألفاظ آحادها فيها لإدارة الإيضاح والبيان مؤثرون، وأنهم بجمع التكسير غير حافلين، ولصحة واحده غير مراعين، فإذا أدخل في جمع الواو والنون شيء مما ليس مذكرًا عاقلا فهو حظ ناله، وفضيلة خص بها، فلهذا صار جمع "قلة" و"ثبة" و"مائة" و"سنة" ونحو ذلك بالواو والنون تعويضًا لها من الجهد والحذف اللاحقها. ويؤكد عندك أن العناية بواحد جمع التكسير غير واقعة منهم وجودك جموعًا كسرت الآحاد عليها واللفظ فيهما جميعًا واحد، وذلك نحو ما حكاه سيبويه١ من قولهم: "ناقةٌ هِجان٢، ونوقٌ هِجان" و"دِرْعٌ دلاص٣، وأدرعٌ دلاص" وقالوا أيضًا في جمع "شِمال" وهي الخليقة والطبع: "شِمالٌ".

قال عبد يغوث٤:

.............................. ... وما لَوْمي أخي من شِمالِيا٥

أي: من شَمائلي.


١ الكتاب: "٢/ ٢٠٩".
٢ ناقة هجان: البيضاء الكريمة.
٣ درع دلاص: لينة، براقة، ملساء. اللسان "٧/ ٣٧" مادة/ دلص.
٤ هو عبد يغوث بن وقاص الحارثي. شاعر يمني أسره بنو عبد شمس لعداوة كانت بينهم فأرادوا قتله فطلب منهم الرفق به وإحسان قتلته فسقوه حتى ثمل ثم قطعوا شريان يده فنزف حتى مات.
وقال هذه القصيدة يرثي بها نفسه قبل أن يموت، ومنها:
وتضحك مني شيخة عبشمية
كأن لم تر أسيرًا يمانيًا
٥ شِماليا: جمع شِمال وهي الطبع، والجمع شمائل. اللسان "١١/ ٣٦٥" مادة/ شمل.
يقول: لا تلوماني فاللوم قليل النفع وليس الملام من أخلاقي.
والشاهد ذكره المؤلف في المتن.
إعراب الشاهد: شماليا: اسم مجرور بمن وعلامة الجر الكسرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>