للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأما إذا لم تكن الحاجة ممزوجة بأنفس الأمثلة فتأتي على أربعة أضرب، وهي: واو العطف، والواو التي بمعنى مع، وواو الحال، وواو القسم.

فأما واو العطف فنحو قولك: "قام زيد وعمرو" وليس فيها دليل على المبدوء به في المعنى، لأنها ليست مُرَتِّبة، قال لبيد١:

أُغْلي السباءَ بكلِّ أَدْكَنَ عاتِقٍ ... أو جَوْنةٍ قُدِحَتْ، وفُضَّ خِتامُها٢

فقوله: "قدحت" أي "غرفت" ومنه سميت المغرفة مقدحة، وفض ختامها: فتح رأسها، وإنما تغرف بعد أن تفتح، فقد علمت أن "قدحت"، مقدم في اللفظ مؤخر في المعنى. وعلى هذا يتوجه قوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [مريم: ٤٣] ٣ فبدأ بالسجود قبل الركوع لفظًا، وهو مؤخر معنى، ولذلك لم يلزم عند أبي حنيفة٤ وأصحابه من قوله عَزَّ اسْمُهُ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: ٦] ٥ الآية تقديم بعض الأعضاء على بعض في الغسل، وذلك أنها معطوفة بالواو، ولا ترتيب فيها.


١ البيت من معلقته وهو في ديوانه "ص٣١٤" وشرح القصائد العشر "ص٢٤٢".
٢ السباء: شراء الخمر.
الأدكن: لون الأدكن كلون الخز الذي يضرب إلى الغبرة.
العاتق: الخمر القديمة. اللسان "١٠/ ٢٣٧".
الجونة: الخابية المطلية بالقار.
قدحت: أي فضه.
وفض خاتمها: إذا كسره وفتحه. اللسان "٧/ ٢٠٧".
أفضل الخمر التي قد وضعت بالزق الأغبر أو الجونة المطلية بالقار.
والشاهد في قوله: "قدحت وفض خاتمها" كما أوضح المؤلف.
إعراب الشاهد: قدحت: فعل ماضٍ مبني على الفتح والتاء للتأنيث، والواو للعطف.
وفض: فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح، وخاتمها: نائب فاعل مرفوع، والهاء مضاف إليه، وجملة قدحت: في محل جر نعت ل "جونة".
اقنتي: من القنوت وهو الطاعة والدعاء.
والآية شاهد على أن الواو لمجرد الجمع ولا تفيد ترتيبًا إذ أن الركوع قبل السجود، وفي الآية قدم السجود على الركوع.
٤ انظر/ المغني لابن قدامة "١/ ١٣٦".
٥ المقصود من الآية قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} . [المائدة: من الآية٦]

<<  <  ج: ص:  >  >>