للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: فإنا نجدها مبتدأة في أوائل القصائد، فعلى أي شيء عطفت؟

فالجواب: أن القصيدة تجري مجرى الرسالة، وإنما يؤتى بالشعر بعد خطب يجري أو خطاب يتصل، فيأتي بالقصيدة معطوفة بالواو على ما تقدمها من الكلام. ويدل على ذلك أيضًا قولهم في أوائل الرسائل: أما بعد فقد كان كذا وكذا، فكأنه قال: أما بعد ما نحن فيه، أو بعد ما كنا بسبيله فقد كان كذا وكذا، فاستعمالهم هنا لفظ "بعد" يدل على ما ذكرناه عنهم من أنهم يعطفون القصيدة على ما قبلها من الحال والكلام، وكما أن "بل" من قول الآخر:

بَلْ جَوْزِ تِيْهَاءَ كَظَهر الحَجَفتْ١

في أنها وإن كانت بدلا من "رب" فهي حرف عطف لا محالة، فكذلك الواو في:

وبلدٍ عاميةٍ أعماؤه٢

واو عطف وإن كانت نائبة عن "رب".

فإن قيل: فبم الجر فيما بعد واو "رُبَّ" أبِ "رُبَّ" المحذوفة أم بالواو النائبة عنها؟

فالجواب: أن الجر بعد هذه الواو إنما هو بـ "رُبَّ" المرادة المحذوفة تخفيفًا لا بالواو، ويدل على ذلك أنها في غير هذه الحال من العطف إنما هي نائبة عن العامل دالة عليه، وليست بمتولية للعمل دونه، وذلك قولك: قام عمرو، ورأيت زيدا وبكرا، ومررت بسعيد وخالد، فلو كانت ناصبة لم تكن جارة وهي بلفظ واحد، وكذلك لو كانت الواو رافعة لم تكن جارة.

ويدلك على أن العمل فيما بعد حرف العطف إنما هو لما ناب الحرف عنه، ودل عليه من العوامل، إظهارهم العامل بعده في نحو: ضربت زيدا وضربت بكرا، ونظرت إلى جعفر وإلى خالد، فالعمل إذن إنما هو للعامل المراد لا الحرف العاطف.


١ تقدم تخريجه.
٢ سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>