للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآخر: من تركيب "أوو" وهو من قول الشاعر١:

فَأَوِّ لذكراها إذا ما ذكرتُها ... ومن بُعْدِ أرضٍ بيننا وسَماءِ٢

فمن رواه هكذا فـ "أوِّ" على هذا بمنزلة قَوِّ زيدًا، وهو من مضاعف الواو، ولا يكون "فأوِّ" كقولك: سَوِّ زيدًا، ولَوِّ عمرًا، وحَوِّ حَبْلا لما ذكرناه قبل في حرف الميم من هذا الكتاب.

وإن ذهبت إلى أن "إيا" من لفظ "أويت" احتمل ثلاثة أمثلة: أحدها أن يكون إفْعَلا. والآخر أن يكون فِعْيَلا. والآخر فِعْلَى.

فأما "إفْعَلٌ" فأصله "إئْويٌ: فقلبت الياء التي هي لام ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت "إئْوا" وقلبت الهمزة الثانية التي هي فاء الفعل ياء لسكونها وانكسار الهمزة قبلها، فصارت "إيوا" فلما اجتمعت الياء والواو وسبقت الياء بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، فصارت "إيا".

فإن قلت: ألست تعلم أن الياء التي قبل الواو في "إيوا" ليست بأصل، وإنما هي بدل من الهمزة التي هي فاء الفعل، فهلا لم تقلب لها الواو ياء إذ كانت غير أصل وبدلا من همزة، كما تقول في الأمر من أوى يأوي: ايو يا رجل، ولا تقلب الواو ياء، وإن كانت قبلها ياء ساكنة، لأن تلك الياء أصلها الهمز؟

فالجواب: أن هذا إنما يفعل في الفعل لا في الاسم، وذلك أن الفعل لا يستقر على حال واحدة، ولا الهمزة المكسورة في أولِهِ بلازمة، إنما هي ثابتة ما ابتدأتَ، فإذا وصلت سقطت البتة، ألا تراك تقول: "ايو، وأو" وإن شئت فأو، كما قال تعالى: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: من الآية ١٦] ٣ وليس كذلك الاسم؛ لأنه إن كانت في


١ ذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه مادة "أوا" "١٤/ ٥٤" والخصائص "٣/ ٣٨".
٢ يقال: فأوَّه على فعَّل، وهي لغة بني عامر، وهذا من قولهم "فلان يتأوَّه من ذنوبِهِ" معاني القرآن للفراء "٢/ ٢٣".
والشاهد فيه "فأوّ" حيث صاعف الواو.
٣ {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} الشاهد فيه "فأووا" حيث حذفت الياء في الفعل "أوى" وثبتت الهمزة في أول الفعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>