للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلهم أخلصوا الدعاء له، وخصوه بالالتجاء والاستغاثة والاستعانة دون من سواه، فلو استوعبنا ذكر ذلك كله طال الكلام وضاق عنه المقام.

ونحن نذكر بعض السور والآيات الناطقة بوجوب الالتجاء إلى الله وعدم الميل إلى ما سواه مع بيان ما قاله المفسرون وأهل العلم في تفاسيرهم، والقرآن كله يدل على وجوب عبادة الله والبراءة من عبادة ما سواه، وإسلام الوجوه له على اختلاف أنواع الدلالات مطابقة وتضمناً والتزاماً وقياساً صحيحاً.

ومن أمثلة ذلك ما قاله أهل العلم في معنى البسملة وتفسيرها، قالوا في الباء من (بسم الله) إن معناها الاستعانة، ورجحوا هذا القول لوجوه مقررة في محلها، وقالوا: قد جاءت السنة بأن "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه (ببسم الله الرحمن الرحيم) فهو أبتر أو أجذم أو أقطع"١ وذكروا فيه روايات، والمعنى أنه لا يكمل أمر ولا يحصل تمامه إلا بذكر الله، ولا يكون أصله ولا يوجد منه شيء إلا بمعونته.

قالوا: وقد قالت طائفة من أهل العلم أن البسملة من الفاتحة، وقالت طائفة أخرى هي آية من القرآن فاصلة بين السور.

وعلى القول الأول: فالإتيان بها من العبادات الواجبة، والاستعانة هي مضمونها، فتكون واجبة به تعالى.

وعلى القول الآخر: يكون الإتيان بها مستحباً والاستعانة بالله واجبة لا بخصوص هذا اللفظ.

ثم قالوا: إن المتعلق يتعين أن يقدر مؤخراً لإفادة الحصر والاختصاص، وهذا يدل على القول بوجوب الاستعانة، لأن ما اختص به تعالى واستحقه دون ما سواه لا يصرف لغيره، والقاعدة العربية تفيد أن تقديم المتأخر وتأخير المتقدم يقتضي الحصر، فهذان موضعان يدلان على وجوب الاستعانة به وحده في أول حرف من كتاب الله مع متعلقة.


١ وهو حديث ضعيف؛ انظر: "الإرواء" (١، ٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>