ظنكم به أن يجازيكم وقد عبدتم معه غيره، وما الذي ظننتم به حتى جعلتم له شركاء، أظننتم أنه محتاج إلى الشركاء والأعوان؟ أم ظننتم أنه يخفى عليه أحوال عباده حتى يحتاج إلى شركاء يعرفونه بها كالملوك؟ أم لا يقدر وحده على الاستقلال بتدبيرهم وقضاء حوائجهم؟ أم هو قاس فيحتاج إلى شفعاء يستعطفونه على عباده؟ أم ذليل فيحتاج إلى ولي يتكثر به من القلة ويتعزز به من الذلة؟ أم محتاج إلى ولد فيتخذ صاحبة يكون الولد منه ومنها؟ تعالى الله عن ذلك كله علواً كبيراً، ولو قدره المشركون حق قدره لما أشركوا به.
وكذلك اسمه تعالى الرحيم، فإنه يدل على أنه بالغ في الرحمة غايتها، وإن رحمته عمت عباده ووسعت خلقه، فما بهم من النعم والإحسان والعطايا الباطنة والظاهرة فآثار رأفته ورحمته، ومن هذا فعله وهذا وصفه كيف يعدل المضطر إلى غيره في ضروراته وحاجاته وملماته؟ وفي الحديث القدسي:"كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم" الحديث بطوله. ومن رحمته وتودده إلى عباده أنه ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا فينادي: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأستجيب له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ الحديث معرف مشهور.
وفي بعض الإسرائيليات أن الله تعالى يقول: ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء.
وهذا قرروه بهذا المعنى في التفسير وفي الكلام على شرح الأسماء الحسنى، وفي الكلام على أحوال القلوب وسيرها وتوجهاتها إلى الملك العلي الأعلى.
وعبارة البيضاوي في الكلام على أول فاتحة الكتاب: وإنما خص التسمية بهذه الأسماء ليعلم العارف أن المستحق لأن يستعان في مجامع الأمور هو المعبود الحقيقي الذي هو مولى النعم كلها، عاجلها وآجلها، جليلها وحقيرها، فيتوجه