للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالخلق والتدبير والملك، وهو من أكبر الأدلة وأوضحها وأجلاها على وجوب عبادته تعالى، وأن إلهية ما سواه وعبادة غيره من أبطل الباطل وأضل الضلال، ولهذا يستدل على إلهيته تعالى ووجوب توحيد بأفعاله الصادرة عن ربوبيته كخلقه وقيوميته، قال تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} ١ وقال تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} ٢ وقال: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} ٣. وهذا كثير في القرآن، ولكن يحول بين عباد القبور والصالحين وفهمه ما على قلوبهم من رين الشرك وطابعه.

(وأما اسمه الرحمن) فهو كما تقدم دال على أن الرحمة وصفه وصف ذات لا ينفك عنه، ولهذا لا يطلق على غيره.

(والرحيم) هو الراحم لعباده البالغ في إيصال الرحمة، لأن فعيل من صيغ المبالغة، لكن فعلان أبلغ، فسعة الرحمة وكثرتها وإحاطتها من أدلة عظمة الموصوف وكمال صفاته ووجوب عبادته وإلهيته وإنابة القلوب إليه، فالمستغيث بغيره الراغب إلى سواه فيما لا يقدر عليه غيره من الأمور المهمة العظام، وما ليس من جنس الأسباب العادية -كمن يستغيث بالأنبياء والصالحين والملائكة ويرجع إليهم في حاجاته وملماته- ما أعطى هذا الاسم حقه، ولا آمن به حق الإيمان الواجب، ولو استشعر شيئاً من كمال مدلوله وسعته وإحاطته لما عدل بربه سواه، ولا التفت إلى غير رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما.

ومشهد الأسماء الحسنى والصفات العليا مشهد عظيم لا يعرفه ولا يسير به إلا الصديقون العارفون بالله وما يجب له وما يستحيل عليه، وأما من تعلق على غيره والتفت إلى سواه وصار مبلغ علمه وغاية حذقه وفهمه تعلقه على الأولياء والصالحين ورجاء رحمتهم وإحسانهم وعطفهم فهو محجوب عن هذا غير عارف


١ سورة النحل: ١٧.
٢ سورة الرعد: ٣٣.
٣ سورة الأحقاف: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>