للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بربه جاهل بصفات كماله ونعوت جلاله، قال تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} ١ فسجل على من أمر بدعاء الصالحين والاستغاثة بهم بالجهالة، سواء سمى ذلك توسلاً وتشفعاً واستنصاراً وكرامة أو لم يسمه.

(وأما مالك يوم الدين) فهو وصف كمال ومجد يقتضي وجوب معاملته وحده لا شريك له، وإسلام الوجه له، لأن الاختصاص والانفراد بالملك يوجب خوفه ورجاءه وطاعته، والتعلق على المملوك المقهور الذي لا شركة له ولا ملك بوجه من الوجوه، وقصده في طلب الإعطاء والمنع، والخفض والرفع، والنجاة من النار، والفوز بدار الأبرار سفه وضلال مبين. قال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} ٢ وقد تمدح سبحانه باختصاصه بملك هذا اليوم في مواضع من كتابه مع أنه الملك المالك في الدنيا والآخرة لسر اقتضى ذلك وحكمة أوجبته، وهي انقطاع العلق والأسباب والمؤاخاة والوصل التي يتعامل بها أهل الدنيا في دنياهم، قال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} ٣ فاعرف ما في هذا الخطاب من العموم، وما دل عليه التنكير من الشمول المتناول لكل معبود مع الله ولو نبياً أو ملكاً، وما يجري على يد الشفعاء ذلك اليوم لا يرد على الآية، ولا ينفي العموم، لأنه لا يقع إلا بإذنه فيمن يرضى قوله وعمله، فعاد الأمر له جل ذكره بدءاً وعوداً، أولاً وآخراً.

(والدين) هو الجزاء والمكافأة على الأعمال حسنها وقبيحها، وما لم ينزل به سلطان ولم ترد به حجة من الأعمال والديانات يجازى فاعله ويعاقب إن لم يمنع مانع كتوحيد الله والإيمان به وبرسله، وأي توحيد يبقى وينفع مع عبادة الأولياء والصالحين، والاتغاثة بهم وصرف الوجوه إليهم، قال تعالى: {فَوَرَبِّكَ


١ سورة الزمر: ٦٤.
٢ سورة البقرة: ١٣٠.
٣ سورة البقرة: ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>