يحسبه الجاهل ما لم يعلما ... شيخاً على كرسيه معمما
قد راج سوقه على العوام، بما يقصه عليهم في الوعظ من الأكاذيب والأوهام، ورأي أنه لا معارض له من أولئك الأنعام، كما يتكلم المتكلم بين المقابر بما شاء من الكلام، حتى تخيل لذلك أنه من العلماء الأعلام، وما درى أنه أجهل من ابن ثلاثة أيام، قد ذكر "إحياء العلوم" وشرع يمدحه بأعظم المدائح ويقرظه بكل ما خطر له من الثناء، فقلت له: إنه اشتمل على أحاديث موضوعة ومسائل فلسفية خارجة عن الشريعة، وآراء محضة مخالفة للسنة النبوية، وبناء على ذلك أن أهل العلم الموثوق بعلمهم لا يقيمون لهذا الكتاب وزناً، حتى أن بعضهم ألف كتاباً في بيان حال ما فيه من الأحاديث.
فنظر إليَّ شزراً، وكادت تزهق روحه الخبيثة، فقال: كيف تقول هذا الكلام وقد شرحه العلامة الزبيدي، وخرّج أحاديثه، وبيّن أسراره؟
فقلت له: إن الزبيدي ليس من أهل هذا الفن، ولا هو من رجال هذا الميدان، إنما هو رجل له بعض الإطلاع على اللغة وبعض العلوم العربية، وكلام مثله في باب الجرح والتعديل غير ملتفت إليه، وكان من غلاة القبوريين والدعاة لمبتدعاتهم. فلما سمع ما سمع أعرض ونأى بجانبه، ولم يلتفت إلى ما قلته ولا أصغى إلى ما ذكرته، فقلت:
علي نحت القوافي من معادنها ... وما علي إذا لم تفهم البقر
والكلام الحق اليوم ثقيل على الأسماع، لاسيما على أهل الزيغ والابتداع، وعلى المنصف موافقة الحق والاتباع.
والمقصود من هذا الكلام كله أن الشيخ تقي الدين قدس الله روحه لم يتكلم في شأن أبي حامد كما تكلم غيره فيه، والنبهاني افترى عليه وكذب، بل إنه شهد له بحسن العاقبة والخاتمة، وقال في غير موضع من كتبه أنه في آخر عمره استقر أمره على الحيرة والوقوف بعد أن نظر فيما كان عنده من طرق النظار أهل الكلام والفلسفة، وسلك ما تبين له من طرق العبادة والرياضة والزهادة، وفي آخر عمره