للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشتغل بالحديث كصحيحي البخاري ومسلم، انتهى.

فانظر إلى هذه التزكية الحسنة، فإن الأعمال بخواتيمها، ولم يتكلم بمثل هذا الكلام في شأنه حتى من ينتصر له كتاج الدين وأضرابه، وقد سلكوا كل مسلك في تعديله والحث على كتبه، وارتكبوا التعسفات في تأويل ما زل به قلمه.

وأما قاضي الجماعة أبو عبد الله محمد بن محمد القرطبي فقد قال: إن بعض من يعظ- ممن كان ينتحل رسم الفقه ثم تبرأ منه شغفاً بالشرعة الغزالية والنحلة الصوفية- قد أنشأ كراسة تشتمل على معنى التعصب لكتاب أبي حامد إمام بدعتهم، فأين هو من تشنيع مناكيره وتضليل أساطيره المبانية للدين، وشريعة سيد المرسلين، وزعم أن هذا من علم المعاملة المفضي إلى علم المكاشفة الواقع بهم على سر الربوبية، الذي لا يسفر عن قناعة ولا يفوز بإطلاعه إلا من تمطى إلى شيخ ضلالته، التي رفع لهم أعلامها وشرع أحكامها، قال أبو حامد: وأدنى من هذا العلم التصديق به، وأقل عقوبته أن لا يرزق المنكر منه شيئاً، فاعرض من قوله على قوله، ولا تشتغل بقراءة قرآن، ولا بكتب حديث، فإن ذلك يقطعه عن الوصول إلى إدخال رأسه في كم جيبه والتدثر بكسائه فيسمع نداء الحق، فهو يقول ذروا ما كان السلف عليه، وبادروا إلى ما آمركم به.

قال القاضي: وقال أبو حامد. وصدور الأحرار قبور الأسرار، ومن أفشى سر الربوبية كفر، ورأى مثل قتل الحلاج خيراً من إحياء عشرة لإطلاقة ألفاظاً، ونقل عن بعضهم أنه قال للربوبية سر لو ظهر لبطلت النبوة، وللنبوة سر لو كشف لبطل العلم، وللعلم سر لو كشف لبطلت الأحكام، ثم قال الغزالي: إن لم يرد إبطال النبوة بهذا في حق الضعفاء فما قال ليس بحق، فإن الصحيح لا يتناقض، وإن الكامل لا يطفىء نور معرفته نور ورعه.

وقال أيضاً: العارف يتجلى له أنوار الحق، وتنكشف له العلوم المرمورة والمحجوبة عن الخلق، فيعرف معنى النبوة وجميع ما وردت به ألفاظ الشريعة

<<  <  ج: ص:  >  >>