للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقتصد يتناول فاعل الواجبات وتارك المحرمات، والسابق يدخل فيه من سبق فتقرب بالحسنات مع الواجبات، والمقتصدون أصحاب اليمين {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} ١ ثم إن كلاً منهم يذكر هذا في نوع من أنواع الطاعات، كقول القائل: السابق الذي يصلي في أول الوقت، والمقتصد الذي يصلي في أثنائه، والظالم لنفسه الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار. أو يقول: السابق المحسن بالصدقة مع الزكاة، والمقتصد الذي يؤدي الزكاة المفروضة فقط، والظالم مانع الزكاة.

قال: وهذان الصنفان اللذان ذكرناهما في تنوع التفسير تارة لتنوع الأسماء والصفات، وتارة لذكر بعض أنواع المسمى، وهو الغالب في تفسير سلف الأمة الذي يظن أنه مختلف. ومن التنازع -الموجود منهم- ما يكون اللفظ فيه محتملاً للأمرين، إما لكونه مشتركاً في اللغة، كلفظ (القسورة) الذي يراد به الرامي، ويراد به الأسد. ولفظ (عسعس) الذي يراد به إقبال الليل وإدباره. وإما لكونه متواطئاً في الأصل لكن المراد به أحد النوعين أو أحد الشيئين كالضمائر في قوله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} ٢. وكلفظ: الفجر والشفع، والوتر، وليال عشر، وأشباه ذلك، فمثل ذلك قد يجوز أن يراد به كل المعاني التي قالها السلف، وقد لا يجوز ذلك. فالأول إما لكون الآية نزلت مرتين فأريد بها هذا تارة وهذا تارة، وإما لكون اللفظ المشترك يجوز أن يراد به معنياه، وإما لكون اللفظ متواطئاً فيكون عاماً إذا لم يكن لتخصيصه موجب، فهذا النوع إذا صح فيه القولان كان من الصنف الثاني.

ومن الأقوال الموجودة عنهم -ويجعلها بعض الناس اختلافاً- أن يعبروا عن المعاني بألفاظ متقاربة، كما إذا فسر بعضهم (تُبْسَل) بتحبس، وبعضهم بترتهن، لأن كلاًّ منهما قريب من الآخر.


١ سورة الواقعة: ١٠- ١١.
٢ سورة النجم: ٨- ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>