صاحبه كلمه، بل هذا إنما ناله فيمن بعدهم، وناله أيضاً من النصارى، حيث أتاهم بعد الصلب وقال: أنا هو المسيح وهذه مواضع المسامير- ولا يقول أنا الشيطان فإن الشيطان لا يكون جسداً- أو كما قال. وهذا هو الذي اعتمد عليه النصارى في أنه صُلب، لا في مشاهدته فإن أحداً منهم لم يشاهد الصلب، وإنما حضره بعض اليهود، وعلقوا المصلوب وهم يعتقدون أنه المسيح، ولهذا جعل الله هذا من ذنوبهم وإن لم يكونوا صلبوه، ولكنهم قصدوا هذا الفعل وفرحوا به، قال تعالى:{وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً* وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} ١. وبسط هذا له موضع آخر.
والمقصود؛ أن الصحابة رضي الله عنهم لم يطمع الشيطان أن يضلَّهم كما أضلَّ غيرهم من أهل البدع؛ الذين تأوّلوا القرآن على غير تأويله، وجهلوا السنة إذا رأوا أو سمعوا أموراً من الخوارق فظنوها من جنس آيات الأنبياء والصالحين، وكانت من أفعال الشياطين، كما أضل النصارى وأهل البدع بمثل ذلك، فهم يتبعون المتشابه من الكتاب، ويدَعُوَن المحكم، ولذلك يتمسكون بالمتشابه من الحجج العقلية والحسية، كما يسمع ويرى أموراً فيظن أنه رحماني وإنما هو شيطاني، ويدعون البيّن الحق الذي لا إجمال فيه، ولذلك لم يطمع الشيطان أن يتمثل في صورته، ويغيث من استغاث به، أو أن يحمل صوتاً يشبه صوته، لأن الذين رأوه قد علموا أن هذا شرك لا يحل. ولهذا أيضاً لم يطمع فيهم أني قول أحد منهم لأصحابه إذا كانت لكم حاجة فتعالوا إلى قبري، ولا تستغيثوا بي لا في محياي ولا في مماتي، كما جرى مثل هذا الكثير من المتأخرين، ولا طمع الشيطان أن يأتي أحدهم ويقول: أنا من رجال الغيب، أو الأوتاد الأربعة، أو من السبعة، أو الأربعين، أو يقول له: أنت منهم؛ إذ كان هذا عندهم من الباطل الذي لا حقيقة له. ولا طمع الشيطان أن يأتي أحدهم فيقول: أنا رسول الله- ويخاطبه عند القبر- كما وقع ذلك لكثير ممن بعدهم عند قبره وقبر غيره، وعند غير القبور،