للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرجت للناس، وهم تلقّوا الدين عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، ففهموا من مقاصده وعاينوا من أفعاله وسمعوا منه شفاهاً ما لم يحصل لمن بعدهم، وهم قد فارقوا جميع أهل الأرض وعادوهم، وهجروا جميع الطوائف وأديانهم، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم. قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَه" ١. وهذا قاله لخالد بن الوليد لما تشاجر هو وعبد الرحمن بن عوف، لأن عبد الرحمن بن عوف كان من السابقين الأولين، وهم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا وهو فتح الحديبية، وخالد هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة أسلموا في مدة الهدنة بعد الحديبية وقبل فتح مكة، فكانوا من المهاجرين التابعين لا من المهاجرين الأولين.

وأما الذين أسلموا عام فتح مكة فليسوا بمهاجرين، لأنه لا هجرة بعد الفتح بل كان الذين أسلموا من أهل مكة يقال لهم الطلقاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلقهم بعد الاستيلاء عليهم عنوة كما يطلق الأسير، والذين بايعوه تحت الشجرة ومن كان من مهاجرة الحبشة هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار.

وفي الصحيح عن جابر قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: "أنتم خير أهل الأرض" وكنا ألفاً وأربعمائة٢.

ولهذا لم يطمع الشيطان أن ينال منهم من الإضلال والإغواء ما نال ممن بعدهم، فلم يكن فيهم يتعمّد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم- وإن كان له أعمال غير ذلك قد تنكر عليه- ولم يكن فيهم من أهل البدع المشهورة، كالخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة، والجهمية، بل كل هؤلاء إنما حدثوا فيمن بعدهم، ولم يكن فيهم من طمع الشيطان أن يترائى له في صورة بشر ويقول أنا الخضر، أو أنا إبراهيم، أو موسى، أو عيسى أو المسيح، أو أن يكلمه اعند قبر حتى يظن أن


١ أخرجه البخاري (٣٦٧٣) ومسلم (٢٥٤١) .
٢ أخرجه البخاري (٤١٥٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>