للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشرعه لهم، بل نهاهم، وقال: "لا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا عليّ حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني"١. فبين أن الصلاة تصل إليه من البعيد، وكذلك السلام، ومن صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشراً، ومن سلّم عليه [مرة] سلم الله عليه عشراً. وتخصيص الحجرة بالصلاة والسلام جعل لها عيداً وهو قد نهاهم عن ذلك، ونهاهم أن يتخذوا قبره أو قبر غيره مسجداً، ولعن من فعل ذلك، ليحذروا أن يصيبهم مثل ما أصاب غيرهم من اللعنة.

وكان أصحابه خير القرون، وهم أعلم الناس بسننه، وأطوع الأمة لأمره، وكانوا إذا دخلوا إلى المسجد لا يذهب أحد منهم إلى قبره لا من داخل الحجرة ولا من خارجها، وكانت الحجرة في زمانهم يدخل إليها من الباب إذا كانت عائشة فيها، وبعد ذلك إلى أن بنى الحائط الآخر، وهم مع ذلك التمكن من الوصول إلى قبره لا يدخلون إليه، لا لسلام ولا لصلاة، ولا لدعاء لأنفسهم، ولا لسؤال عن حديث أو علم، ولا كان الشيطان يطمع فيهم- حتى يسمعهم كلاماً وسلاماً فيظنون أنه هو كلمهم وأفتاهم، وبين لهم الأحاديث، أو أنه قد رد عليهم السلام بصوت يسمع من خارج- كما طمع الشيطان في غيرهم، فأضلّهم عند قبره وقبر غيره، حتى ظنوا أن صاحب القبر يحدثهم ويفتيهم، ويأمرهم وينهاهم في الظاهر، وأنه يخرج من القبر ويرونه خارجاً من القبر، ويظنون أن نفس أبداًن الموتى خرجت من القبر تكلمهم، وأن روح الميت تجسدت لهم فرأوها كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج يقظة لا مناماً.

فإن الصحابة رضوان الله عليهم خير قرون هذه الأمة التي هي خير أمة


١ أخرجه أحمد (٢/٣٦٧) وأبو داود (٢٠٤٢) والبيهقي في "شعب الإيمان" (٣/٤٩١/٤١٦٢) وابن فيل في "جزئه" كما في "جلاء الأفهام" لابن القيم (ص ١٠٧) .
من طريق: عبد الله بن نافع؛ أخبرني ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة به مرفوعاً.
وهذا إسناد حسن؛ لأجل عبد الله بن نافع، ففي حفظه لين. وحسّن إسناده شيخ الإسلام في "الاقتضاء" (٢/ ٦٥٩-٦٦٠) وصحّحه النووي في "المجموع" (٨/٢٧٥) وحسّنه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص ٢٨٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>