للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الأكثرون: زيارة قبور المؤمنين مستحبة للدعاء للموتى مع السلام عليهم، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلى البقيع فيدعو لهم، وكما ثبت في الصحيحين أنه خرج إلى شهداء أحد فصلى عليهم صلاته على الموتى كالمودع للأحياء والأموات، وثبت في الصحيح: أنه كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: "السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تِفتنّا بعدهم، واغفر لنا ولهم" ١. وهذا في زيارة قبور المؤمنين، وأما زيارة قبر الكافر فرخّص فيه لأجل تذكار الآخرة، ولا يجوز الاستغفار لهم، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، وقال: "استأذنت ربي في أن أزور قبرها فأذن لي، واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة"٢.

والعلماء المتنازعون، كل منهم يحتج بدليل شرعي، ويكون عند بعضهم من العلم ما ليس عند الآخر، فإن العلماء ورثة الأنبياء، قال الله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} ٣.

والأقوال الثلاثة صحيحة باعتبار، فإن الزيارة إذا تضمنت أمراً محرماً من شرك أو كذب أو ندب أو نياحة، وقول هجر؛ فهي محرمة بالإجماع، كزيارة المشركين بالله والساخطين لحكم الله، فإن هؤلاء زيارتهم محرمة، فإنه لا يقبل دين إلا الإسلام، وهو الاستسلام لخالقه وآمره، فنسلم لما قدره الله وقضاه،


١ أخرجه بهذا اللفظ أحمد (٦/ ٧٦) أو رقم (٢٤٥٨٥) بإسناد ضعيف.
فقول شيخ الإسلام أابن تيمية،: "وثبت في الصحيح..". فيه نظر؛ لأن لفظ الصحيح هو: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين.. إلى قوله: نسأل لنا ولكم العافية".
٢ أخرجه مسلم (٩٧٦) .
٣ سورة الأنبياء: ٧٨- ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>