للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاطعة عن العبادة والعلم زيارة القبور تكثرا بمن سلف وإشادة بذكره.

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زياره القبور؛ فزوروها ولا تقولوا هجراً" ١، وكان نهيه في معنى الآية. ثم أباح الزيارة بَعْدُ لمعنى الاتّعاظ، لا لمعنى المباهاة والتفاخر، وتسنيمها بالحجارة الرخام، وتكوينها سرباً٢، وبنيان النواويس عليها. هذا لفظ ابن عطية.

والمقصود؛ أن العلماء متفقون على أنه كان نهى عن زيارة القبور، ونهى عن الانتباذ في الدُّبّاء٣ والحنتم٤ والمزفت٥ والنقير٦.

واختلفوا هل نسخ ذلك؟ فقالت طائفة: لم ينسخ ذلك؛ لأن أحاديث النسخ ليست مشهورة، ولهذا لم يخرج البخاري ما فيه نسخ عام.

وقال الأكثرون: بل نسخ ذلك. ثم قالت طائفة منهم: إنما نسخ إلى الإباحة، فزيارة القبور مباحة لا مستحبة، وهذا قول في مذهب مالك وأحمد، وقالوا لأن صيغة أفعل بعد الحظر إنما تفيد الإباحة، كما قال في الحديث: "كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، وكنتُ نهيتكم عن الانتباذ في الأوعية فانتبذوا، ولا تشربوا مسكراً"٧. وقد رُوي: (ولا تقولوا هجراً) . وهذا يدل على أن النهي كان لما يقال عندها من الأقوال المنكرة سداً للذريعة، كالنهي عن الانتباذ في الأوعية كان، لأن الشدة المطربة تدب فيها ولا يدرى بذلك، فيشرب الشارب الخمر وهو لا يدري.


١ أخرجه النسائي (١/٢٨٥ و ٢/٣٢٩) بهذا اللفظ.
٢ كذا؛ وفي "مجموع الفتاوى": (١/٢٨٥ و ٢/ ٣٢٩) : "وتلوينها سرفاً".
٣ الدُّبّاء: القرع.
٤ الحنتم: جرار مدهونة خُضر، كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة، ثم اتسع فقيل للخزف كله: حنتم.
٥ المزفّت: هو الإناء الذي طُلِيَ بالزفت.
٦ المُقير: هو الإناء الذي طُلِيَ بالقار؛ وهو شيء أسود يثبه الزفت.
٧ أخرجه مسلم (٩٧٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>