للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتفصيل الزيارة على ثلاثة أنواع: منهي عنه، ومباح، ومستحب؛ وهو الصواب. قال مالك وغيره لا تأت إلا هذه الآثار: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ومسجد قباء، وأهل البقيع، وأحد؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقصد إلا هذين المسجدين وهاتين المقبرتين، كان يصلي يوم الجمعة في مسجده، ويوم السبت يذهب إلى قباء، كما في الصحيحين عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء كل سبت راكباً وماشياً فيصلي فيه ركعتين"١. وأما أحاديث النهي فكثيرة مشهورة في الصحيحين وغيرهما، كقوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد". ثم ذكر الأحاديث الواردة في ذلك، وقد سبق ذكرها غير مرة. ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن مسعود: "إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد". رواه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو حاتم في "صحيحه". وفي "سنن أبي داود" عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تتخذوا قبري عيداً، وصلّوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني". وفي موطأ مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". ثم ذكر الأثر المشهور في "سنن سعيد بن منصور". وقال: فلما أراد الأئمة اتباع سنته في زيارة قبره والسلام طلبوا ما يعتمدون عليه من سنته، فاعتمد الإمام أحمد على الحديث الذي في السنن عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام". وعنه أخذ أبو داود ذلك، فلم يذكر في زيارة قبره غير هذا الحديث، وترجم عليه (باب زيارة القبر) مع أن دلالة الحديث على المقصود فيها نزاع وتفصيل، فإنه لا يدل على كل ما يسميه الناس زيارة باتفاق المسلمين، ويبقى الكلام المذكور فيه هل هو السلام عند القبر- كما كان من دخل على عائشة يسلم عليه- أو يتناول هذا والسلام عليه من خارج الحجرة؟ فالذين استدلوا به جعلوه متناولاً لهذا وهذا، وهو غاية ما كان عندهم في هذا الباب عنه صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم يسمع السلام من القبر، وتبلغه الملائكة الصلاة والسلام عليه من البعيد كما في النسائي عنه صلى الله عليه وسلم: "إن لله


١ تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>