يصلي في المسجد استحب أيضاً أن يأتي إلى القبر ويصلي ويسلم، كما ذكر ذلك طائفة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد.
ومنهم من لم يذكر إلا الثاني فقط، وكثير من السلف لم يذكروا إلا النوع الأول فقط. أما النوع الأول فهو المشروع لأهل البلد وللغرباء في هذا المجسد وغير هذا المسجد، وأما النوع الثاني فهو الذي فرق من استحبه بين أهل البلد والغرباء، سواء فعله مع الأول أو مجرداً عنه، كما ذكر ذلك ابن حبيب وغيره إذا دخل مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"باسم الله، وسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، السلام علينا من ربنا، وصلى الله وملائكته على محمد، اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب رحمتك وجنتك، وجنبني من الشيطان الرجيم". ثم اقصد إلى الروضة وهي ما بين القبر والمنبر، فاركع فيها ركعتين قبل وقوفك بالقبر، تحمد الله فيها، وتسأله تمام ما خرجت إليه والعون عليه، وإن كانت ركعتاك في غير الروضة أجزأتك وفي الروضة أفضل. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على ترعة من ترع الجنة" ١. ثم تقف بالقبر متواضعاً، وتصلي عليه، وتثني بما يحضر، وتسلم على أبي بكر وعمر، وتدعو لهما، وأكثر من الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالليل والنهار، ولا تدع أن تأتي مسجد قباء وقبور الشهداء.
قلت: وهذا الذي ذكره من استحباب الصلاة في الروضة قول طائفة، وهو المنقول عن الإمام أحمد في مناسك المروزي.
وأما مالك فنُقِلَ عنه: يستحب التطوع في موضع صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل: لا يتعين لذلك موضع من المسجد، وأما الفرض فيصليه في الصف الأول مع الإمام بلا ريب، والذي ثبت في الصحيح عن سلمة بن الأكوع أنه كان
١ أخرجه أحمد (٣/٦٤) بهذا اللفظ. وأخرجه البخاري (٧٣٣٥) من حديث أبي هريرة بلفظ: "ما بين بتي ومنبري..". وأخرجه البخاري (١١٩٥) ومسلم (١٣٩٠) من حديث عبد الله بن زيد باللفظ السابق.