للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا غير ذلك، وإنما كان نزاعهم في الوقوف للدعاء له والسلام عليه عند الحجرة، فبعضهم رأى هذا من السلام الداخل في قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل يسلم علي إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام". واستحبه لذلك، وبعضهم لم يستحبه، إما لعدم دخوله، وإما لأن السلام المأمور به في القرآن مع الصلاة -وهو السلام الذي لا يوجب الرد- أفضل من السلام الموجب للرد، فإن هذا مما يدل عليه الكتاب والسنة، واتفق عليه السلف، فإن السلام المأمور به في القرآن كالصلاة المأمور بها في القرآن كلاهما لا يوجب عليه الرد، بل الله يصلي على من صلى عليه ويسلم على من سلم عليه، ولأن السلام الذي يوجب الرد هو حق للمسلم كما قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} ١. ولهذا يرد السلام على من سلم وإن كان كافراً، وكان اليهود إذا سلموا عليه يقول: (وعليكم) . وأمر أمته بذلك٢. وإنما قال: (عليكم) لأنهم يقولون السام، والسام: الموت، فيقول: (عليكم) . قال صلى الله عليه وسلم: "يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا". ولما قالت عائشة: وعليكم السام واللعنة. قال: "مهلاً يا عائشة؛ فإن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، أو لم تسمعي ما قلت لهم؟! " ٣. يعني رددت عليهم، فقلت: "عليكم". فهذا إذا قالوا السام عليكم، وأما إذا عُلم أنهم قالوا السلام؛ فلا يخصون في الرد فيقال: عليكم. فيصير بمعنى السلام عليكم لا علينا بل يقال وعليكم.

وإذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته "عليكم" جزاء دعائهم وهو دعاء بالسلامة والسلام أمان؛ فقد يكون المستجاب هي سلامتهم منا، أي: من ظلمنا وعداوتنا، وكذلك كل من رد السلام على غيره فإنما دعا له بالسلامة، وهذا مجمل، ومن الممتنع أن يكون كل من رد على النبي صلى الله عليه وسلم من الخلق دعا له بالسلامة من عذاب الدنيا والآخرة، فقد كان المنافقون يسلمون عليه ويرد عليهم، ويرد على المسلمين


١ سورة النساء: ٨٦.
٢ أخرجه البخاري (٦٢٥٧، ٦٩٢٨) ومسلم (٢١٦٤) من حديث عبد الله بن عمر. وأخرجه البخاري (٦٢٥٨، ٦٩٢٦) ومسلم (٢١٦٣) من حديث أنى بن مالك.
٣ أخرجه البخاري (٦٢٥٦) ومسلم (٢١٦٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>