الصلاة، ومع دعاء الداعي لنفسه أيضاً لم يذكر أن يطلب منه شيئاً، ولا يقرأ عند القبر قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} ١.
كما لم يذكر مالك ذلك ولا المتقدمون من أصحابنا ولا جمهورهم، بل قال في منسك المروزي: ثم ائتِ الروضة وهي بين القبر والمنبر فصلِّ فيها وادعُ بما شئت، ثم ائتِ قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقل: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا محمد بن عبد الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّك رسول الله، وأشهد أنك بلغت رسالة ربك، ونصحت لأمتك، وجاهدت في سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وعبدت الله حتى أتاك اليقين، فجزاك الله أفضل ما جزى نبياً عن أمته، ورفع درجتك العليا، وتقبل شفاعتك الكبرى، وأعطاك سؤالك في الآخرة والأولى، كما تقبل من إبرهيم. اللهم احشرنا في زمرته، وتوفنا على سنته، وأوردنا حوضه، واسقنا بكأسه مشرباً روياً لا نظمأ بعده أبداً.
وما من دعاء وشهادة وئناء يذكر عند القبر إلا وقد وردت السنة بذلك وما هو منه في سائر البقاع، ولا يمكن أحداً أن يأتي بذكر يشرع عند القبر دون غيره، وهذا تحقيق لنهيه أن يتخذ قبره أو بيته عيداً، فلا يقصد تخصضه بشيء من الدعاء للرسول صلى الله عليه وسلم فضلاً عن الدعاء لغيره، بل يدعى بذلك للرسول صلى الله عليه وسلم حيث كان الداعي، فإن ذلك يصل إليه صلى الله عليه وسلم، وهذا بخلاف ما شرع عند قبر غيره، كقوله:"السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين إنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين" فإن هذا لا يشرع إلا عند القبور، ولا يشرع عند غيرها، وهذا مما يظهر به الفرق بينه وبين غيره، وأن ما شرعه وفعله أصحابه من المنع من زيارة قبره كما تزار القبور هو من فضائله، وهو رحمة لأمته ومن تمام نعمة الله عليها، فالسلف كلهم متفقون على أن الزائر لا يسأله شيئاً، ولا يطلب منه ما يطلب منه في حياته ويطلب منه يوم القيامة، لا شفاعة ولا استغفار