المعرور بن سويد، عن عمر قال: خرجنا معه في حجة حجها فقرأ بنا في صلاة الفجر (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) و (لإيلاف قريش) في الثانية. فلما رجع من حجته رأى الناس ابتدروا المسجد، فقال: ما هذا؟ فقالوا: مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم اتخذوا آثار الأنبياء بيعاً، من عرضت له منكم فيه الصلاة فليصلّ، ومن لم تعرض له فليمضِ١.
وما اتفق عليه الصحابة- ابن عمر وغيره؛ من أنه لا يستحب لأهل المدينة الوقوف عند القبر للسلام إذا دخلوا المسجد وخرجوا بل يكره ذلك- يبين ضعف حجة من احتج بقوله:"ما من رجل يسلّم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أردَّ عليه السلام". فإن هذا لو دل على استحباب السلام عليه من المسجد لما اتفق الصحابة على ترك ذلك، ولم يفرق في ذلك بين القادم من السفر وغيره، فلما اتفقوا على ترك ذلك مع تيسيره علم أنه غير مستحب، بل لو كان جائزاً لفعله بعضهم، فدل على أنه كان من المنهي عنه كما دلت عليه سائر الأحاديث.
وعلى هذا فالجواب عن الحديث؛ إما بتضعيفه على قول من يضعّفه، وإما بأن ذلك يوجب فضيلة الرسول صلى الله عليه وسلم لا فضيلة المسلم بالرد عليه إذا كان هذا من باب المكافأة والجزاء، حتى أنه يشرع للبر والفاجر التحية بخلاف ما يقصد به الدعاء المجرد وهو السلام المأمور به. وإما بأن يقال: هذا مما هو فيمن سلم عليه من قريب، والقريب أن يكون في بيته، فإنه إن لم يحد بذلك لم يبق له حد محدود من جهة الشرع، كما تقدم ذكر هذا.
وأما الوجه: فتوجيهه؛ أن الحديث ليس فيه ثناء على المسلم ولا مدح له ولا ترغيب له في ذلك، ولا ذكر أجر له كما جاء في الصلاة والسلام المأمور بهما، فإنه قد وعد أن من صلى عليه مرة صلى الله عليه عشراً، وكذلك من سلم عليه. وأيضاً فهو مأمور بهما وكل مأمور به ففاعله محمود مشكور مأجور. وأما
١ أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (١/١١٨-١١٩/ ٢٧٣٤) من طريق الأعمش به. رهو غير موجود في المطبوع من "سنن سعيد بن منصور".