للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "ما من رجل يمر بقبر الرجل فيسلّم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام، وما من رجل يسلم عليّ إلا رد الله علي روحي حتى أردَّ عليه السلام". فإنما فيه مدح المسلم عليه والإخبار بسماعه السلام، وأنه يرد السلام فيكافىء المسلم عليه لا يبقى للمسلم عليه فضل، فإنه بالرد يحصل المكافأة، كما قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} ١. ولهذا كان الرد من باب العدل المأمور به الواجب لكل مسلم إذا كان سلامه مشروعاً، وهذا كقوله: "من سَأَلَنَا أعطيناه، ومن لم يَسْأَلْنَا أحبّ إلينا"٢. هو إخبار بإعطائه السائل، ليس هذا أمر بالسؤال وإن كان السلام ليس مثل السؤال لكن هذا اللفظ إنما يدل على مدح الراد.

وأما المسلّم فيقف الأمر فيه على الدليل، وإذا كان المشروع لأهل المدينة أن لا يقفوا عند الحجرة ويسلّموا عليه عُلِمَ قطعاً أن الحديث لم يُرَغِّبْ في ذلك، ومما يبين ذلك أن مسجده كسائر المساجد لم يختصّ بجنس من العبادات لا تشرع في غيره، وكذلك المسجد الأقصى، ولكن خُصّا بأن العبادة فيهما أفضل، بخلاف المسجد الحرام، فإنه مخصوص بالطواف، واستلام الركن، وتقبيل الحجر، وغير ذلك. وأما المسجدان الآخران فما يشرع فيهما من صلاة، وذكر، واعتكاف، وتعلم وتعليم، وثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم، وصلاة عليه، وتسليم وغير ذلك من العبادات فهو مشروع في سائر المساجد، والعمل الذي يسمى زيارة لقبره لا يكون إلا في مسجده لا خارجاً عن المسجد، فعُلِمَ أن المشروع من ذلك العمل مشروع في سائر المساجد لا اختصاص لقبره بجنس من أجناس العبادات، ولكن العبادة في مسجده أفضل منها في غيره لأجل المسجد لا لأجل لقبر.

قال الشيخ: ومما يوضح هذا أنه لم يُعرَف عن أحد من الصحابة أنه تكلم


١ سورة النساء: ٨٦.
٢ أخرجه أحمد (٣/٣، ٤، ٧، ٩، ١٢، ٤٤، ٩٣) أو رقم (١١٠٠٢، ١١٠١٨، ١١٠٥٨، ١١٠٧٤، ١١١٠٥، ١١٤١٦، ١١٤١٧، ١١٩٠٦- قرطبة) والطيالسي (٢١٦١) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>