للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكفي في ذلك فعل بعض السلف، ولا يجوز أن يقال إن الله ورسوله يحب ذلك أو يكرهه، وأنه سنّ ذلك وشرعه، أو نهى عن ذلك وكرهه، أو نحو ذلك؛ إلا بدليل يدل على ذلك، لاسيما إذا عُرف أن جمهور أصحابه لم يكونوا يفعلون ذلك، فيقال: لو كان هو ندبهم إلى ذلك وأحبه لفعلوه، فإنهم كانوا أحرص الناس على الخير ونظائر هذا متعددة، والله أعلم.

والمؤمن قد يتحرّى الدعاء والصلاة في مكان دون مكان لاجتماع قلبه فيه، وحصول خشوعه فيه، لا لأنه يرى الشارع فضل ذلك المكان؛ كصلاة الذي يكون في بيته ونحو ذلك، فمثل هذا إذا لم يكن منهياً عنه فلا بأس به ويكون ذلك مستحباً في حق ذلك الشخص لكون عبادته فيه أفضل، كما إذا صلى القوم خلف إمام يحبونه كانت صلاتهم أفضل من أن يصلوا خلف من هم له كارهون.

وقد يكون العمل المفضول في حق بعض الناس أفضل لكونه أنفع له وكونه أرغب فيه وهو أحب إليه من عمل أفضل منه لكونه يعجز عنه فهذا يختلف بحسب اختلاف الأشخاص، وهو غير ما ثبت فضل جنسه بالشرع كما ثبت أن الصلاة أفضل، ثم القراءة، ثم الذكر بالأدلة، مع أن العمل المفضول في مكانه هو أفضل من الفاضل في غير مكانه، كفضيلة الذكر والدعاء والقراءة بعد الفجر والعصر على الصلاة المنهي عنها في هذا الوقت، وكفضيلة التسبيح في الركوع والسجود على القراءة لأنه نهى أن يقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، وكفضيلة آخر القرآن هناك لأنه موطن الدعاء، ونظائر هذا متعددة، وبسط هذا له موضع آخر.

لكن المقصود هنا؛ أن يعلم أن ما قيل إنه مستحب للأمة قد ندبهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ورغّبهم فيه فلا بد له من دليل يدل على ذلك، ولا يضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ما صدر عنه، والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي فرض الله على جميع الخلق الإيمان به وطاعته وإتباعه، وإيجاب ما أوجبه وتحريم ما حرمه، وشرع ما شرعه، وبه فرق الله بين الهدى والضلال، والرشاد والغي، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، وهو الذي شهد الله له بأنه يدعو إليه بإذنه ويهدي إلى صراط مستقيم، وهو الذي جعل الرب طاعته طاعة له في مثل قوله: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>