المخلوق ببيت الخالق، ولهذا لا يجوز الطواف بالحجرة بالإجماع ولا الصلاة إليها، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم عن أبي مرثد الغنوي أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها". وأيضاً فالطواف بالبيت لأهل مكة ولغيرهم كلما دخلوا المسجد والوقوف عند القبر كلما دخل المدني لا يشرع بالاتفاق، فلم يبق الفرق بين المدني وغير المدني له أصل في السنة ولا نظير في الشريعة، ولا هو مما سنه الخلفاء الراشدون وعمل به عامة الصحابة، فلا يجوز أن يجعل هذا من شريعته وسنته، وإذا فعله من الصحابة الواحد والاثنان والثلاثة وأكثر دون غيرهم كان غايته أنه يثبت به التسويغ، بحيث يكون هذا مانعاً من دعوى الإجماع على خلافه، بل يكون كسائر المسائل التي ساغ فيها الاجتهاد لبعض العلماء، أما أن يجعل من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وشريعته وحكم ما تدل عليه سنته لكون بعض السلف فعل ذلك فهذا لا يجوز، ونظير هذا مسحه للقبر، قال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبد الله- يعني الإمام أحمد- قبر النبي صلى الله عليه وسلم يُلْمَسُ ويُتَمَسَّحُ به؟ قال: ما أعرف هذا. قلت فالمنبر؟ قال: أما المنبر، فنعم قد جاء فيه. قال أبو عبد الله: شيء يروونه عن ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن ابن عمر أنه مسح على المنبر. قال: ويروونه عن سعيد بن المسيب في الرمانة. قلت: ويروى عن يحيى بن سعيد- يعني الأنصاري- شيخ مالك وغيره أنه حيث أراد الخروج إلى العراق جاء إلى المنبر فمسحه ودعا فرأيته استحسن ذلك، ثم قال: لعله عند الضرورة. قلت لأبي عبد الله: إنهم يلصقون بطونهم بجدار القبر. وقلت له: ورأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يمسونه ويقومون ناحيته فيسلمون. فقال أبو عبد الله: نعم وهكذا كان ابن عمر يفعل ذلك، ثم قال أبو عبد الله: بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر أحمد بن حنبل أيضاً في منسك المروزي نظير ما نقل عن ابن عمر وابن المسيب ويحيى بن سعيد، وهذا كله يدل على التسويغ وأن هذا مما فعله بعض الصحابة، فلا يقال انعقد إجماعهم على تركه بحيث يكون فعل من فعل ذلك اقتداء ببعض السلف لم يبتدع هو شيئاً من عنده، وأما أن الرسول صلى الله عليه وسلم ندب إلى ذلك ورغب فيه وجعله عبادة وطاعة يشرع فعلها فهذا يحتاج إلى دليل شرعي لا