للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله صلى الله عليه وسلم يقول- أي عن الله-: " وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ"١.

قال: فقد علمتَ أيها الأخ بهذا فضيلة زيارة الأخوان، وما أعدّ الله بها للزائرين من الفضل والإحسان، فكيف بزيارة من هو حي الدارين، وإمام الثقلين، الذي جعل الله حرمته في حال مماته كحرمته في حال حياته، ومن شرفه الحق بما أعطاه من جميع صفاته، ومن هدانا ببركته إلى الصراط المستقيم، وعصمنا به من الشيطان الرجيم، ومن هو آخذ بحجزنا أن نقتحم في نار الجحيم، ومن هو بالمؤمنين رؤوف رحيم؟

قال الشيخ ابن تيمية: والجواب: أما زيارة الأخ الحي في الله كما في الحديث فهذا نظير زيارته في حياته، يكون الإنسان بذلك من أصحابه وهم خير القرون، وأما جعل زيارة القبر كزيارته حياً كما قاسه هذا المعترض فهذا قياس ما علمتُ أحداً من علماء المسلمين قاسه، ولا علمتُ أحداً منهم احتجّ في زيارة قبره بالقياس على زيارة الحيّ المحبوب في الله، وهذا من أفسد القياس، فإنه من المعلوم أن من زار الحي حصل له بمشاهدته وسماع كلامه ومخاطبته وسؤاله وجوابه وغير ذلك ما لا يحصل لمن لم يشاهده ولم يسمع كلامه، وليس رؤية قبره أو رؤية ظاهر الجدار الذي بني على بيته بمنزلة رؤيته ومشاهدته ومجالسته وسماع كلامه، ولو كان هذا مثل هذا لكان كل من زار قبره مثل واحد من أصحابه، ومعلوم أن هذا من أبطل الباطل.

وأيضاً: فالسفر إليه في حياته إما أن يكون لما كانت الهجرة إلية واجبة


١ أخرجه مالك في "الموطأ" (٢/٣٥٤/١٦) - ٥١- كتاب الشعر- (٥) باب ما جاء في المتحابين في الله. وأحمد (٥/٢٢٩، ٢٣٦- ٢٣٧، ٢٣٩، ٢٤٧) . أو رقم (٢١٠٠، ٢٢١٦٣، ٢٢١٧٩، ٢٢٢٣٠) وابن حبان في "صحيحه" (٢/ ٣٣٥/ ٥٧٥) والجوي في "شرح السنة" (٣٤٦٣) والحاكم (٤/١٦٨- ١٦٩) والطبراني في "الكبير" (٢٠/ رقم: ١٥٠- ١٦٧) وغيرهم. وصححه ابن عبد البر في "التمهيد". وصحّح إسناده الألباني في "المشكاة" (٣/١٣٩٥/٥٠١١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>