للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالسفر قبل الفتح فيكون المسافر إليه مسافراً للمقام عنده بالمدينة مهاجراً من المهاجرين إليه، وهذا السفر انقطع بفتح مكة، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية" ١. ولهذا لما جاء صفوان بن أمية مهاجراً أمره أن يرجع إلى مكة. وكذلك سائر الطلقاء كانوا بمكة لم يهاجروا. وإما أن يكون المسافر إليه وافداً إليه ليسلم ويتعلم منه ما يبلغه قومه، كالوفود الذين كانوا يفدون عليه لاسيما سنة تسع وعشر سنة الوفود، وقد أوصى في مرضه بثلاث، فقال: "أخرجوا النصارى من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفود بنحو ما كنت أجيزهم"٢. ومن الوفود وفد عبد القيس لما قدموا عليه ورجعوا إلى قومهم بالبحرين، لكن هؤلاء أسلموا قديماً قبل فتح مكة، وقالوا: لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام، لأن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر -وهم أهل نجد كأسد وغطفان وتميم وغيرهم، فإنهم لم يكونوا قد أسلموا بعد- وكان السفر إليه في حياته لتعلم الإسلام والدين، ولمشاهدته وسماع كلامه، وكان خيراً محضاً. ولم يكن أحد من الأنبياء والصالحين عُبد في حياته بحضرته فإنه كان ينهى من يفعل ما هو دون ذلك من المعاصي فكيف بالشرك؟ كما نهى الذين سجدوا له، ونهى الذين صلّوا خلفه قياماً، وقال: "إن كدتم تفعلون فعل فارس والروم فلا تفعلوا" رواه مسلم٣.

وفي "المسند" بإسناد صحيح عن أنس قال:، لم يكن شخص أحبّ إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهته لذلك"٤.


١ أخرجه البخاري (٣٠٨٠) ومسلم (١٨٦٣) .
٢ أخرجه البخاري (٣٠٥٣، ٣١٦٨، ٤٤٣١) ومسلم (١٦٣٧) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
٣ برقم (٤١٣) .
٤ أخرجه أحمد (٣/ ١٣٢، ١٣٤، ١٥١، ٢٥٠) والبخاري في "الأدب المفرد" (٩٤٦) والترمذي (٢٧٥٤) وغيرهم. وهو حديث صحيح.
انظر: "الصحيحة" (٣٥٨) وكلام الشيخ الألباني في تحقيقه على "الأدب المفرد" (ص ٣٣٤-٣٣٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>