ولهذا كان يحب الشافعي ويثني عليه ويدعو له ويذب عنه عند من يطعن في الشافعي، أو من ينسبه إلى بدعة، ويذكر تعظيمه للسنة واتباعه لها، ومعرفته بأصول الفقه كالناسخ والمنسوخ، والمجمل والمفسر، ويثبت خبر الواحد ومناظرته عن مذهب أهل الحديث من خالفه بالرأي وغيره.
وكان الشافعي يقول: سموني ببغداد ناصر الحديث. ومناقب الشافعي واجتهاده في اتباع الكتاب والسنة واجتهاده في الرد على من يخالف ذلك كثير جداً، وهو كان على مذهب أهل الحجاز، وكان تفقه على طريقة المكيين أصحاب ابن جريج، كمسلم بن خالد، والزنجي، وسعيد بن سالم القداح، ثم رحل إلى مالك وأخذ عنه الموطأ، وكمل أصول أهل المدينة، فكان أجل علماً وفقهاً وقدراً من أهل مكة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد مالك، ثم اتفقت له محنة ذهب فيها إلى العراق، فاجتمع بمحمد بن الحسن وكتب كتبه وناظره، وعرف أصول أبي حنيفة وأصحابه، وأخذ من الحديث ما أخذه على أهل العراق، ثم ذهب إلى الحجاز، ثم قدم إلى العراق مرة ثانية، وفيها صنف كتابه القديم المعروف (بالحجة) واجتمع به أحمد بن حنبل في هذه القدمة بالعراق، واجتمع به بمكة، وجمع بينه وبين إسحاق بن راهويه، وتناظرا بحضور أحمد رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ولم يجتمع بأبي يوسف ولا بالأوزاعي وغيرهما، فمن ذكر ذلك في الرحلة المضافة إليه فهو كاذب، فإن تلك الرحلة فيها من الأكاذيب عليه وعلى مالك وأبي يوسف ومحمد وغيرهم من أهل العلم ما لا يخفى على عالم، وهي من جنس كذب القصاص، ولم يكن أبو يوسف ومحمد سعيا في أذى الشافعي قط، ولا كان حال مالك معه ما ذكر في تلك الرحلة الكاذبة.
ثم رجع الشافعي إلى مصر وصنف كتابه الجديد، وهو في خطابه وكتابه ينسب إلى مذهب أهل الحجاز، فيقول: قال بعض أصحابنا- وهو يعني أهل المدينة أو بعض علماء أهل المدينة كمالك- ويقول في أثناء كلامه: وخالفنا بعض المشرقيين. وكان الشافعي عند أصحاب مالك واحداً منهم ينسب إلى أصحابهم، واختار سكنى مصر إذ ذاك لأنهم كانوا على مذهب أهل المدينة ومن يشبههم من