للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن القول المحكي عنه في تأويل الصفات الخبرية قول لا أصل له في كلامه، وإنما هو قول طائفة من أصحابه، فللأشعرية قولان ليس للأشعري قولان.

فلما ذكرت في المجلس أن جميع أسماء الله التي سمي بها المخلوق كلفظ الوجود الذي هو مقول بالحقيقة على الواجب والممكن على الأقوال الثلاثة: تنازع كبيران هل هو مقول بالاشتراك أو بالتواطىء؟ فقال أحدهما هو متواطىء، وقال الآخر هو مشترك لتلازم التركيب، وقال هذا قد ذكر فخر الدين أن هذا النزاع مبني على أن وجوده هل هو عين ماهيته أم لا؟ فمن قال وجود كل شيء عين ماهيته قال إنه مقول بالاشتراك، ومن قال إن وجوده قدر زائد على ماهيته قال إنه مقول بالتواطىء، فقال الثاني مذهب الأشعري وأهل السنة أن وجوده عين ماهيته، فأنكر الأول ذلك فقلت: أما متكلموا أهل السنة فعندهم أن وجود كل شيء عين ماهيته، وأما القول الآخر فهو قول المعتزلة أن وجود كل شيء قدر زائد على ماهيته، وكل منهما أصاب من وجه، فإن الصواب أن هذه الأسماء مقولة بالتواطىء كما قد قررته في غير هذا الموضع، وأجبت عن شبهة التركيب بالجوابين المعروفين، وأما بناء ذلك على كون وجود الشيء عين ماهيته أو ليس عينه فهو من اللغط المضاف إلى ابن الخطيب، فأنا وإن قلنا أن وجود الشيء عين ماهيته لا يجب أن يكون الاسم مقولاً عليه وعلى نظيره بالاشتراك اللفظي فقط، كما في جميع أسماء الأجناس، فإن اسم السواد مقول على هذا السواد وهذا السواد بالتواطىء، وليسر هذا السواد عين هذا السواد، إذ الاسم دال على القدر المشترك بينهما وهو المطلق الكلي، لكنه لا يوجد مطلقاً بشرط الإطلاق إلا في الذهن، ولا يلزم من ذلك نفي القدر المشترك بين الأعيان الموجودة في الخارج، فإنه على ذلك تنتفي الأسماء المتواطئة وهي جمهور الأسماء في الغالب، وهي أسماء الأجناس اللغوية، وهو الاسم المطلق على الشيء وعلى كل ما أشبهه، سواء كان اسم عين أو اسم صفة، جامداً أو مشتقاً، وسواء كان جنساً منطقياً أو فقهياً أو لم يكن، بل اسم الجنس في اللغة يدخل فيه الأجناس والأصناف والأنواع ونحو ذلك، وكلها أسماء متواطئة وأعيان مسمياتها في الخارج متميزة.

<<  <  ج: ص:  >  >>