للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيد الملاحدة وشبه الفرق الضالة. وقد وقع من ذلك عن الصحابة شيء كثير، كما وقع لأبي بكر وعمر، ولزيد بن ثابت في جمع القرآن، فإن عمر أشار به على أبي بكر خوفاً من اندراس القرآن بموت الصحابة رضوان الله عليهم لما كثر فيهم القتل يوم اليمامة وغيره، فتوقف أبو بكر لكونه صورة بدعة، ثم شرح الله صدره لفعله لأنه ظهر له أنه يرجع إلى الدين وأنه غير خارج عنه. ولما دعا زيد بن ثابت وأمره بالجمع قال له: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: والله إنه حق.

وكما وقع لعمر في جمع الناس لصلاة التراويح في المسجد مع تركه صلى الله عليه وسلم لذلك بعد أن كان فعله ليالي، وقال: "نعمت البدعة هي" لأنها وإن سماها بدعة باعتبار معناها اللغوي فليس فيها رد لما مضى وزيادة في الدين، بل هي من الدين لأنه صلى الله عليه وسلم علّل الترك بخشية الافتراض وقد زال بوفاته صلى الله عليه وسلم، ومنشأ الذم ما قاد إلى شيء من مخالفة السنة ودعا إلى الضلالة١.

ثم قال الفاضل السويدي: والقول الفصل الموضح لما تقدم هو أن البدعة لها معنيان: (أحدهما) لغوي، وهو المحدث مطلقاً سواء من العادات أو العبادات. (وثانيهما) شرعي؛ وهو الزيادة في الدين أو النقصان منه من غير إذن من الشارع، لا قولاً ولا فعلاً ولا تصريحاً ولا إشارة. فالبدعة التي هي ضلالة كما في الحديث؛ هي بحسب معناها الشرعي، فيقتصر بها على غير العادات من العبادات التي هي لأصول الشريعة من الكتاب والسنة والإذن من الشارع مخالفات، فالمنارة عون لأعلام وقت الصلاة، وتصنيف الكتب عون للتعليم، ونظم الدلائل لرد الشبه ذب عن الدين، فكل ذلك مأذون فيه، لأن البدعة الحسنة٢ ما لم يحتج إليه الأوائل واحتاج إليه الأواخر، وعند الاستقراء لا توجد


١ وافقه هذا جيداً لتعلم ضلال وانحراف من كان دينهم مبنياً على البدع، ثم بعد ذلك يتهمون الفاروق عمر رضي الله عنه بأنه ابتاع في الدين!.
وانظر: "الاعتصام" للشاطبي (١/٤٥، ٣٢٣- ٣٢٦، و ٣/٧- ط. الشيخ مشهور) .
٢ الصواب أن يقال في الأمثلة المضروبة أنها من باب (المصالح المرسلة) . أما لفظ البدعة الحسنة فهو غير حسن لأن: "كل بدعة ضلالة" كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>