البحر الزاخر، وفخر الأوائل والأواخر، قدوة الفضلاء، وخاتمة الأجلاء، شيخ الإسلام، ومن اتفق على جلالته الخاص والعام، الحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي، طيب الله تعالى ثراه، وجعل في أعلى عليين مقره ومثواه، كتاب تشد إليه الرواحل، وتطوى دون لقياه المنازل، ليس في بابه ما يدانيه، ولا ما يماثله ويضاهيه، جمع فأوعى، وأوجز فأعجز، وما ترك لساع من مسعى، بلغ الغاية في حسن الجمعية وكمال الاختصار، وأدرك النهاية في قلة المؤنة ولياقة الحفظ والتكرار.
كلم كان الشهد من ألفاظها ... جار وإن الطيب منها سائر
قد أرى السبكي قدره، وأدى إلية الكيل صاعاً بصاع ولم يهمله بالمرة، حتى أرغم الله به أنوف المعتدين، وشفى به صدور قوم مؤمنين، وما كان من ذم بعض الغلاة والانتقاد عليه، فلما أصابهم منه من الويل والثبور، ولم يقدروا أن يقابلوه ولا يقفوا بين يديه، فجزاه الله عن المسلمين خير الجزاء، حيث ذب عن الدين المبين ما كاده به الخصوم والأعداء.
قال النبهاني: الفصل الثالث في الكلام على "جلاء العينين في محاكمة الأحمدين" وبيان أن مؤلفه حكم لابن تيمية بالميل، وعلى ابن حجر بالمين، وقد جاوز به الحد في تعصبه الشديد ضد جماعة من أئمة الإسلام، وأفراد العلماء الأعلام، لاسيما ابن حجر الهيتمي، والتقي السبكي وابنه تاج الدين، مؤيداً ما شذ به ابن تيمية في مسائله التي خالف بها الأمة المحمدية، وكانت أصلاً لمذهب الوهابية، ومقته لأجلها جمهور أئمة الدين من أهل المذاهب الأربعة السنية.
قال: وهذا الكتاب من أضر الكتب على من اطلع عليه من عوام المسلمين، والطلبة القاصرين، فيجب عليهم أن يعاملوه معاملة الكتب المخالفة لمذاهبهم، المكدرة لمشاربهم، بالإعراض التام عنه، وعدم مطالعة شيء منه، لئلا تضر شكوكه بيقينهم، ويوقع الخلل في أمور دينهم، أما العلماء فلا يخشى عليهم منه