الأحكام الشرعية في هاتيك الأنحاء. إلى أن قلت: وقد عاقته العوائق، ومنعته الشواغل والعلائق، أن يتصدى لتأليف كتاب أو تصنيف فصل أو باب، نعم إن له من الشعر الرائق، والنثر اللطيف الفائق، ما لو جمعا لكان كل منهما أعظم ديوان، وفاق ما نسب لحسان ونابغة بني ذبيان، وكم جرت بيني وبينه مكاتبات هي لعمري أرق من مدامع صب صبها على ما فات، وهي مذكورة في ترجمته من كتاب "بدائع الإنشاء" فليراجعها من شاء. ولم يزل يصدع بالحق ويفتي بأصح الأقوال، حتى انتقل إلى رحمة الله المتعال، وذلك سنة تسع عشرة وثلاثمائة وألف من الهجرة، وقد أسف على فقده من كان عارفاً بقدره، ودفن بجوار الزبير رضي الله عنه، وقد رثاه صاحبه وخلفه في الإفتاء الشيخ طه أفندي الشهير بآل الشواف، منحه الله تعالى بالنعم والإلطاف، فقال:
لا تبعدن أبا عبد الحميد وقد ... بعدت عني فروى تربك المطر
إذا رثيتك بالشعر البديع فمن ... من بعد شخصك يدري منه ما الخبر
فاذهب عليك سلام الله في دعة ... فسوف ترثيك مني أعين غزر
وكان رحمه الله تعالى شافعي المذهب، لا يميل إلى غير مذهبه ولا يذهب، غير أنه لا يستحسن رأي الغلاة من الشافعية، وكان يختار كإمامه الآراء السلفية، والله يتولى الصالحين.
ومنهم شبل ذلك الأسد والفاضل الذي لم يطاوله في الفضل من أقرانه أحد، تذكرة أهل الأدب، ومجمع فضائل العرب، عبد الحميد بك الشاوي البغدادي تغمده الله بالرحمة والرضوان، وأسكنه فراديس الجنان، وذلك قوله:
أبا ثابت يهنيك أنك ثابت ... على الحق إذ زلت عن الحق أرجل
جلوت العمى والشك عن كل مؤمن ... بقول يميط الهزل حقاً ويفصل
فهذا جلا العينين يعجز آخرا ... مداه ولم يبلغه قبلك أول
فيا طالب الأخرى ويا مبتغي الهدى ... ليسعد عند الله في يوم يسأل
لعمري لهذا الحق يعلو مناره ... عليك به أن الأباطيل تسفل