هذه القصيدة الغراء، بل الغادة الحوراء، قالها متحمساً بحسه، وشرف نسبه وأدبه، ذاكراً غدر أعيان وطنه به، وذلك قبيل وفاته بعدة أيام، وهي نفثة مصدور، وأنة مقهور، قد أضر به السقام، ولم يرو من غليله الأوام.
أرقت وهل يهجع المقصد ... وليس لليل المغنى غدُ
وبتُّ أراقب سير النجوم ... كأني بها ساهراً أرصد
بقلب قريح له لوعة ... تشب ضراماً فما تخمد
وعين كعين تفيض الدموع ... تسح دراكاً فما تجمد
ولي زفرات تذيب الحشا ... وتوهي الأضالع لا تنفد
لذكر زمان هوى قد مضى ... وخلف نار جوى توقد
وعهد صبا سلبته الخطوب ... وأعقبه زمن أنكد
وأظعان حي حدتها النوى ... وأعرق بي البين إذا أنجدوا
وقد كان لي فيهم مألف ... وعيش بساحتهم أرغد
وكم لي هنالك من مجلس ... جليسي به الرشأ الأغيد
غرير يصيد أسود الشرى ... ويعنو له الأشوس الأصيد
وأسامره بغرامي به ... وفوق الحسام الجراز اليد
وإخوان ضراء فارقتهم ... وكنت بصحبتهم أسعد
قضيت بهم والمنى غضة ... ولم يك في الدهر ما ينكد
ليالي أفدي لها جانباً ... من العمر لو أنها عود
نأوا فظللت كئيباً لهم ... وهيهات مثلهم يوجد
لقد كان شملي بهم جامعاً ... وإني من بعدهم مفرد
غريب أقاسي العنا والأسى ... ومالي خل ولا مسعد
مقيم أعاني ضروب الضنا ... وقد ملني الأهل والعود
فسقيا لعيش بهم كان لي ... فما العيش من بعدهم يحمد
فلولا عواد عدت جمة ... لقلت وإن كنت لا أقصد
سقى الله بغداد صوب الحيا ... وطالعها الطالع الأسعد