للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالجبال وسمروا يديه ورجليه، وهو يصيح ويبكي ويستغيث من حر الحديد وألم الصلب، هذا وهو بزعمهم الذي خلق السموات والأرض، وقسم الأرزاق والاّجال، ولكن اقتضت حكمته ورحمته أن مكّن أعداءه من نفسه، لينالوا منه ما نالوا فيستحقوا بذلك العذاب والسجن في الجحيم، ويفدي أنبياءه ورسله وأولياءه بنفسه فيخرجهم من سجن إبليس، فإن روح آدم وإبراهيم ونوح وسائر النبيين عندهم كانت في سجن إبليس في النار حتى خلصها من سجنه بتمكينه أعداءه من صلبه.

فهذا بعض كفرهم وشركهم برب العالمين ومسبتهم له، ولهذا قيل إنهم سبوا االله ورسوله مسبة ما سبه إياها أحد من البشر، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه في الحديث الصحيح أنه قال: "شتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وكذبني ابن آدم، ولم يكن له ذلك، أما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفواً أحد، وأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس ذلك بأهون عليَّ من إعادته"١.

وقال تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} ٢ وقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} ٣ إلى غير ذلك فن الآيات المشتملة على سوء اعتقادهم في الله.

وأما ما كان من مشركي العرب فقد قال تعالى عنهم: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ٤ وقال: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} ٥


١ أخرجه البخاري (٣١٩٣، ٤٩٧٤، ٤٩٧٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٢ سورة الصفات: ١٥١- ١٥٢.
٣ سورة المائدة: ٧٢.
٤ سورة الأنعام: ١٠٠-١٠١.
٥ سورة الإسراء: ١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>