وليس في بلدهم من يطاولهم في فن من الفنون، وكلهم مكبون على تحصيل العلم ونشره، معرضون عن الدنيا وزخارفها، ليسوا بمنهمكين عليها كغيرهم من المنتسبين إلى العلم.
والحاصل أنهم وأسلافهم ممن يفتخر بمثلهم أهل انصاف من فضلاء المسلمين.
قال الفاروقي رحمه الله تعالى في كتابه "العقود الجوهرية" بعد أن ذكر ترجمة بعض أفاضلهم: اعلم أن هذا البيت لا تجري فيه سفن لو أن وعسى وليت.
بيت من المجد شادوه على كرم ... وبالمجرة مدوه على طنب
أما والده- يعني المفسر الشهير صاحب روح المعاني رحمه الله- فكان في الزوراء واسطة عقد الفضلاء والبلغاء، وناديه مجتمع العلماء والأدباء، حيث كانت له صلابة في الدين، وحزم في لين، وإيمان في يقين، وحرص في علم، وعمل في حلم، وقصد في غنى، وخشوع في عبادة، وتجمل في فهم، وصبر في شدة، وطلب في حلال ونشاط في هدى، وتحرج عن طمع، قرأت عليه بعضاً من المنطق والنحو وغير ذلك ومدحته بعدة قصائد، هي لجيد الزمان قلائد، وكاتبني وكاتبته لما كان في بلدة فروق مكاتبة الشائق إلى المشوق، وذكر جملة ذلك في رحلته "نشوة الشمول في السفر إلى إسلامبول" وكتاب "تزهة الألباب في الذهاب والإقامة والإياب" وذكرها الغير في كتاب "حديقة الورود في مناقب أبي الثناء شهاب الدين محمود" فكم قطفت من شقائق نعمانها، ما يفوق من الرياض على ريحانها، وأما أبناؤه فرحم الله الماضي منهم ووفق الباقين إلى ما فيه صلاح الدنيا والدين، فإنهم بحمد الله كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها، وكعز إلى السماء لا تميز منها فاها.
أيا لقيت تقل لاقيت سيدهم ... مثل النجوم التي يسري بها الساري
وإني كنت معهم في حياة والدهم رحمه الله وبعد وفاته خلاً وفياً، وحبيباً