صفياً، آنس بهم كما يأنسون بي، وأستر بقربهم مثل ما يسترون بقربي، أستنشق من محادثتهم ريح الكمال، وأقرط آذاني بما تنشر أقلامهم من الدراري وشفاههم من الأقوال، ولا زلت أجتمع بهم في بغداد، وأفرج برؤيتهم غمتي في ذلك الناد، كما أن المترجم اليوم في القسطنطينية تهزه لعلو المقام هاتيك الأريحية ولا برحت هنا أيضاً أنزه ناظري بتلك الطلعة الزكية، والغرة الهاشمية، لا زال قطباً تدور عليه رحى أفاضل العصر وأكابر كل مصر" انتهى.
فهل سمعت أيها الشيخ النبهاني ما تلوناه عليك، وقدمناه بين يديك، فأين بقي قولك الباطل، وكلامك العاطل، فما أنت والعلماء الأخيار، وما أنت والسادة الأبرار، أما بلغك ما قيل. رحم الله امرأً عرف قدره، ولم يتعد طوره؟ أما سمعت من حملة العلوم أن لحم العلماء مسموم؟ فما جوابك إذا قال قائلهم:
إلى حكم أشكو ظلامة معتد ... هو العدل كم أردى ظلوماً وجندلا
ثم إن الذي أوجب تطاول النبهاني انحطاط العالم الإسلامي- والأمر لله تعالى- إلى ما تراه العيون، مما كنا نظن أن لا يكون، فتنة بعد فتنة بعد أخرى وبلاء بمثله مقرون، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه في تفسير قوله تعالى:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} ١. أن المراد "بفوقكم" أي الأمراء السوء، وبقوله: "أو من تحت أرجلكم" أي من قبل سفلتكم.
فتطاول السفلة والسفهاء على أخيار العلماء هو من علامات غضب الله على عباده، فلهذا كان من النبهاني ما كان، مع ما هو عليه من الغرور والجهل، وظنه أنه قد خلا له الجو.
وإذا ما خلا الجبان بأرض ... طلب الطعن وحده والنزالا
وقد جرت عادة الله تعالى بمثل معاداة النبهاني وأضرابه لأهل الحق، ولذلك