وبالجملة؛ كان رحمه الله من مشاهير عصره علماً وزهداً وورعاً، وممن له اليد الطولى في الفقه والحديث، وقد أسف المسلمون على فقده، وهو الحري بقول القائل:
وإني لمعذور إذا ما بكيته ... بأكثر من قطر الغمام وأغزر
ولي عبرة لم ترق عند ادكاره ... كما لي فيه عبرة المتفكر
وقد كان لم يحجب سناه بحاجب ... ولم تستتر أضواؤه بمستر
فوا أسفي إن كان يغني تأسفي ... وواحذري إن كان يغني تحذري
وكنت أراني في النوائب صابراً ... فأعدمني صبري فأين تصبري
وإني لمقبول المعاذير في الأسى ... ومن يعتذر مثلي إلى الصبر يعذر
وكان رحمه الله تعالى محباً لعلماء الحديث وحفّاظ السنة النبوية، لاسيما شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية، فقد أثنى عليه الثناء الجميل، وذكر له مناقب جليلة، وذب عنه، وخاصم من بغى عليه واعتدى، وله تقريظ بديع على كتاب "الرد الوافر" أثنى فيه على الشيخ بما يليق بجلالة قدره، ويكفي دليلاً على جلالة قدر الشيخ، وأنه من أكابر أئمة أهل السنة: شهادة مثل هذا الإمام ونظرائه من حفّاظ الأنام رحمة الله عليهم أجمعين، وقد أثنى على الشيخ ابن تيمية ثناء لا مزيد عليه ونوه بشأنه وأطنب في بيان مناقبه، ومن ذلك ما كتبه على كتاب "الرد الوافر"١ في مناقب الشيخ أيضاً، وهذا نصه:
"بسم الله الرحمن الرحيم " إن أضوع زهر تفتق عنه أكمام ألسن الأنام، وأبدع ذكر يعبق منه طيب الأفهام حمد من أجرى ماء التبيان في عود اللسان لحمل ثمار المعاني والبيان، وكشف ضياء الأوهام بشمس الحقائق، وأبان ما في القلوب بأقمار الدقائق، وأشرع أسنة الخواطر والأفكار، بأيدي أنوار البصائر والأبصار، إلى ثغر العلوم والأخبار، وأقلع عنا بنسائم ألطافه عجاجة الظنون والشكوك ووقع
١ انظر ترجمته في "شذرات الذهب" (٩/٤١٨- ٤٢٠- ط. دار ابن كثير) و"الضوء اللامع " (١٠/١٣١) و " النجوم الزاهرة" (١٦/٨)