وكان ذا رسوخ وتمكين، واعتقاد رصين، ذا أخلاق سنية، وصفات مرضية، وكان له ذهن وقاد، وفطنة أدرك بها مرتبة الاجتهاد، وعلم ما خفي على غيره من العباد، إليه تنتهي الحقائق، وعنه تروى الدقائق، له التصانيف المفيدة، والكتب الفريدة، وكان ذا تواضع وإنصاف، وديانة وعفاف، يحب الانتصار للحق وأهله، ويذعن لما يدل عليه البرهان من غير قدحه ولا تعليله، وقد أثنوا عليه بما يليق بمقامه االرفيع، وترجمه جماعة من الأفاضل واتفق على فضله الجميع، وممن ترجمه العلامة الحافظ قطب الدين الخضيري الدمشقي عليه الرحمة في كتابه الذي ألفه في طبقات الشافعية، وذكر نبذة من أوصافه الحميدة، ومزاياه المرضية، وكان من الموالين لشيخ الإسلام، والعارفين بقدر ذلك الإمام، لم يزل يجادل عنه خصومه، ويذب عنه اعتراضاتهم الموهومة، وقد ألف بعض الزائغين السالكين مسلك السبكي من غلاة الشافعية الناكبين عن المحجة البيضاء والسنة النبوية كتابة ذكر فيه تكفير من يطلق على ابن تيمية شيخ الإسلام بسبب منعه الاستغاثة بغير الله، وقوله بما اختاره من الأحكام، فرد عليه الحافظ الدمشقي هذا رداً شفى به صدور المؤمنين، وذكر في رده من مناقب الشيخ وعلومه ومن أثنى من أكابر الأئمة ما تقر به عيون المسلمين، وسمّى كتابه هذا (الرد الوافر على من زعم أن من أطلق على ابن تيمية شيخ الإسلام كافر) والكتاب مفصل، وفيه مسائل مهمة، قرظه مشاهير علماء عصر مصنفه، وأكابر أئمة المذاهب الأربعة، كالحافظ ابن حجر العسقلاني، وقاضي القضاة الإمام نور الدين العيني، وقد سبق ذكر ما قالاه، والإمام البلقيني الشافعي، والإمام قاضي القضاة عبد الرحمن التفهني الحنفي، والإمام شمس الدين محمد بن أحمد البساطي المالكي وغيرهم، وسنذكر تقاريظهم إن شاء الله، والكتاب نادر الوجود، ومنه نسخة جيدة في خزانة كتب ولي الدين في جامع السلطان بايزيد في دار السلطنة العثمانية المحروسة موسومة بعدد تسع وأربعين وأربعمائة وألف، نسأله تعالى أن يوفق نشر هذا الكتاب وينعم على المسلمين بمعرفة فوائده.
ما قاله الإمام العلامة قاضي القضاة شيخ الإسلام صالح بن عمر البلقيني