للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعارض، ودون المجتهد المطلق مجتهد المذهب بأن يخرج ما يبديه على نصوص أمامه، ودونه مجتهد الفتيا بأن يتبحر ويتمكن من الترجيح.

ثم ذكروا مسائل كثيرة في هذا الباب لا غرض لنا بنقلها، ثم اختلف الأصوليون هل يجوز خلو الزمان عن مجتهد أم لا، منهم من قال: يجوز، بل يقع. ومنهم من قال: لا يجوز، استدلالاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله"١ أي: الساعة. وسيأتي الكلام على هذه المسألة إن شاء الله.

هذا خلاصة ما ذكره الأصوليون في هذا الباب، وقد علمت منه أن شروط الاجتهاد التي اشترطوها ليس وجودها من المحال، بل هي ممكنة الوجود في كل عصر، وعلمَت أيضاً مما ذكرناه من كلامهم أنهم لم يقولوا بسد باب الاجتهاد، ولا اقتضاه كلامهم، ولا دل عليه كتاب ولا سنة، وهما المرجع في التنازع، قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} ٢. فقول من قال بانقطاع الاجتهاد قول بلا دليل، فلا يُلْتَفَتُ إليه، بل يُرمَى به على وجه قائله، ويُرَدُّ على صاحبه.

الوجه الثالث: قال الحافظ ابن القيم في رد هذا القول: "إن المقلدين حكموا على الله قدراً وشرعاً بالحكم الباطل جهاراً، المخالف لما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم، فأًخْلُوا الأرض من القائمين لله بحُجَجِهِ، وقالوا: لم يبقَ في الأرض عالم منذ الأعصار المتقدمة، فقالت طائفة: ليس لأحد أن يختار بعد أبي حنيفة،


١ أخرجه البخاري (٣٦٤٠، ٧٣١١، ٧٤٥٩) ومسلم (١٠٢١) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
وأخرجه مسلم (١٩٢٠) من حديث ثوبان رضي الله عنه.
وأخرجه البخاري (٧١، ٣١١٧، ٣٦٤١، ٧٣١٢) ومسلم (١٠٣٧) من حديث معاوية بن أبي سفيان.
وقد رواه جمع من الصحابة، وتوسّعت في تخريجه في تحقيقي لـ "رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله" للمعلّمي (ص ٩٧- ٩٩- ط. المكتبة العصرية ببيروت) .
٢ سورة النساء: ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>