سبحانه واستغاثوا به فنجوا وسلموا، وقدموا دمشق في أثناء سنة سبع وستين،.. فنشأ بدمشق أتم إنشاء وأزكاه، وأنبته الله أحسن النبات وأوفاه، وكانت مخائل النجابة عليه في صغره لائحة، ودلائل العناية فيه واضحة، فلم يزل منذ إبان صغره مستغرق الأوقات في الجد والاجتهاد، وختم القرآن صغيراً، ثم اشتغل بحفظ الحديث والفقه والعربية حتى برع في ذلك مع ملازمته مجالس الذكر، وسماع الأحاديث والآثار، ولقد سمع غير كتاب على غير شيخ من ذوي الروايات الصحيحة العالية، أما دواوين الإسلام الكبار كمسند الإمام أحمد، وصحيح البخاري، ومسلم، وجامع الترمذي، وسنن أبي داود السجستاني، والنسائي، وابن ماجه، والدارقطني، فإنه سمع كلاً منها مرات عديدة، وأول كتاب حفظه في الحديث "الجمع بين الصحيحين" للإمام الحيمدي، كذا قال الشيخ الحافظ سراج الدين أبو حفص عمر- وسمع من مشايخ كابن عبد الدائم المقدسي وطبقته، وطلب بنفسه قراءة وسماعاً من خلق كثير، وقرأ الكتب الكبار، وكتب الطباق والإثبات، ولازم السماع واشتغل بالعلوم. قال ابن عبد الهادي بن قدامة: وشيوخه الذين سمع منهم أكثر من مائتي شيخ، وسمع مسند الإمام أحمد مرات، وسمع الكتب الكبار والأجزاء، ومن مسموعاته معجم الطبراني الكبير، وعني بالحديث، وقرأ ونسخ وانتقى وتعلم الخط والحساب في الكتاب، وحفظ القرآن، وأقبل على الفقه وقرأ في العربية، وأخذ يتأمل كتاب سيبويه وأتم فهمه وبرع في النحو، وأقبل على التفسير إقبالاً كلياً، حتى حاز فيه قصب السبق، وأحكم أصول الفقه وغير ذلك، هذا كله وهو بعد ابن بضع عشرة سنة، فانبهر الفضلاء من فرط ذكائه، وسيلان ذهنه، وقوة حافظته، وسرعة إدراكه" انتهى.