للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لواء الشريعة، وصاحب معضلات المسلمين، رأساً في العلم، يبالغ في إطراء قيامه في الحق والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مبالغة ما رأيتها ولا شاهدتها من أحد، ولا لاحظتها من فقيه. قال: وكان له باع طويل في معرفة مذاهب الصحابة والتابعين، وقل أن يتكلم في مسألة إلا ويذكر فيها أقوال المذاهب الأربعة وقد خالف الأربعة في مسائل معروفة، وصنف فيها واحتج له بالكتاب والسنة.

ولما كان معتقلاً بالإسكندرية التمس منه صاحب سبتة أن يجيز له مروياته وينص على أسماء جملة منها، فكتب في عشر ورقات جملة من ذلك بأسانيدها من حفظه، بحيث يعجز أن يعمل بعضه أكبر محدث يكون، وله الآن عدة سنين لا يفتي بمذهب معين بل بما قام الدليل عليه عنده، ولقد نصر السنة المحضة والطريقة السلفية، واحتج لها ببراهين ومقدمات وأمور لم يسبق إليها، وأطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون وهابوا وجسر هو عليها، حتى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قياما لا مزيد عليه، وبدَّعوه وناظروه وكابروه، وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي بل يقول الحق المر الذي أداه إليه اجتهاده وحدة ذهنه وسعة دائرته في السنن والأقوال مع ما اشتهر منه من الورع وكمال الفكر وسرعة الإدراك والخوف من الله العظيم والتعظيم لحرمات الله، فجرى بينه وبينهم حملات حربية، ووقعات شامية ومصرية، وكم من نوبة قد رموه عن قوس واحدة فينجيه الله، فإنه دائم الابتهال كثير الاستغاثة قوي التوكل ثابت الجأش، له أوراد وأذكار يدمنها، وله من الطرف الآخر محبون من العلماء والصلحاء، ومن الجند والأمراء، ومن التجار والكبراء، وسائر العامة تحبه لأنه منتصب لنفعهم.

وأما شجاعته فبها تضرب الأمثال، وببعضها يتشبه أكابر الأبطال، ولقد أقامه في نوبة غازان وقام بأعباء الأمر بنفسه، وقام وقعد، وطلع وخرج، واجتمع بالملك مرتين، وبخطلو شاه، وببولاي، وكان فنجق يتعجب من إقدامه وجرأته على المغول، وله حدة قوية تعتريه في البحث حتى كأنه ليث حرب، وهو كبر من

<<  <  ج: ص:  >  >>