للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد السلام بن تيمية، فوالله ثم والله ثم والله لم ير تحت أديم السماء مثله علماً وحالاً، وخلقاً واتباعاً، وكرماً وحلماً في حق نفسه، وقياماً في حق الله عند انتهاك حرماته، أصدق الناس عقداً، وأصحهم علماً وعزماً، وأعلاهم- في انتصار الحق وقيامه- همة وأسخاهم كفاً، وأكملهم اتباعاً لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأطال في ترجمة الشيخ.

وقال الحافظ الناقد أبو عبد الله شمس الدين الذهبي: نشأ- يعني الشيخ تقي الدين رحمه الله- في تصون تام، وعفاف وتأله، وتعبد، واقتصاد في الملبس والمأكل، وكان يحضر المدارس والمحافل في صغره، ويناظر ويفحم الكبار، ويأتي بما يتحير منه أعيان البلد في العلم، فأفتى وله تسع عشرة سنة بل أقل، وشرع في الجمع والتأليف من ذلك الوقت، وأكب على الاشتغال، ومات والده وكان من كبار الحنابلة وأئمتهم، فدرس بعده بوظائفه وله إحدى وعشرون سنة، واشتهر أمره وبعد صيته في العالم، وأخذ في تفسير الكتاب العزيز أيام الجمع على كرسي من حفظه، فكان يورد المجلس ولا يتلعثم، وكان يورد الدرس بتؤدة وصوت جهوري فصيح، وكان آية في الذكاء وسرعة الإدراك، رأساً في معرفة الكتاب والسنة والاختلاف، بحراً في النقليات، هو في زمانه فريد عصره علماً وزهداً وشجاعة وسخاء وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وكثرة تصانيف، وقرأ وحصل وبرع في الحديث والفقه، وتأهل للتدريس والفتوى، وهو ابن سبع عشرة سنة، وتقدم في علم التفسير والأصول، وجميع علوم الإسلام أصولها وفروعها، ودقها وجلها، فإن ذكر التفسير فهو حامل لوائه، وإن عد الفقهاء فهو مجتهدهم المطلق، وإن حضر الحفاظ نطق وخرسوا، وسرد وأبلسوا، واستغنى وأفلسوا، وإن سمى المتكلمون فهو فردهم وإليه مرجعهم، وإن لاح ابن سينا يقدم الفلاسفة فلسهم وتيسهم، وهتك أستارهم، وكشف عوارهم، وله يد طولى في معرفة العربية والصرف واللغة، وهو أعظم من أن يصفه كلمي، أو ينبه على شأوه قلمي، فإن سيرته وعلومه ومعارفه ومحنه وتنقلاته تحتمل أن توضع في مجلدين، فالله تعالى يغفر له ويسكنه أعلى جنته، فإنه كان رباني الأمة، وفريد الزمان، وحامل

<<  <  ج: ص:  >  >>