ما لا يمكن حصره، وقد ذكر كثيراً منها الحافظ ابن عبد الهادي بن قدامة، وقال منَّ الله تعالى على الشيخ بسرعة الكتابة ويكتب من حفظه من غير نقل. قال: وأخبرني غير واحد أنه كتب مجلداً لطيفاً في يوم، وكتب غير مرة أربعين ورقة في جلسة وأكثر وأحصي ما كتبه في يوم وبيضه فكان ثماني كراريس في مسألة من أشكل المسائل، وكان يكتب على السؤال الواحد مجلداً، وأما جواب يكتب فيه خمسين ورقة وستين فكثير جداً، وأما فتاويه ونصوصه وأجوبته على المسائل فهي أكثر من أن تحصى، لكن دون منها بمصر على أبواب الفقه سبعة عشر مجلداً، وهذا ظاهر مشهور، وقلّ أن وقعت واقعة وسئل عنها إلا وأجاب فيها بديهة بما بهر واشتهر، وصار ذلك الجواب كالمصنف الذي يحتاج فيه غيره إلى زمن طويل ومطالعة كتب، وقد لا يقدر مع ذلك على إيراد مثله.
وقال الشيخ صالح تاج الدين محمد: حضرت مجلس الشيخ رضي الله عنه وقد سأله يهودي عن مسألة في القدر وقد نظمها شعراً في ثمانية أبيات، فلما وقف عليها فكر لحظة يسيرة وأنشأ يكتب جوابها، وجعل يكتب ونحن نظن أنه يكتب نثراً، فلما فرخ تأمله من حضر عن أصحابه فإذا هو نظم من بحر أبيات السؤال وقافيتها تقرب من مائة وأربعة وثمانين بيتاً، وقد أبدى فيها عن العلوم ما لو شرح لبلغ مجلدين كبيرين، وهذا من جملة بواهره، وكم له من جواب فتوى لم يسبق إلى مثله.
وأما سعة حفظه وقوة ملكته؛ فقد تقدم التنبيه عليه كثيراً في كلام الأئمة، وقد أذعن له بذلك المخالف والموافق.
وقال ابن عبد الهادي بن قدامة: بلغني أن بعض مشايخ حلب قدم إلى دمشق وقال: سمعت أن في هذه البلاد صبياً يقال له أحمد بن تيمية سريع الحفظ وقد جئت قاصداً لَعَلّي أراه، فقال له خياط هذه طريق كتابه وهو إلى الآن ما جاء فاقعد عندنا الساعة يمر ذاهباً إلى الكتاب، فلما مر قيل ها هو الذي معه اللوح الكبير، فناداه الشيخ وأخذ منه اللوح وكتب له من متون الحديث أحد عشر أو ثلاثة عشر حديثاً، وقال له: اقرأ هذا فلم يزد على أن نظر فيه مرة بعد كتابته إياه ثم قال: