للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم وأنفع على هذا التقدير، بل كان وجود الكتاب والسنة ضرراً محضاً في أصل الدين، فإن حقيقة الأمر- على ما يقوله هؤلاء- إنكم يا معشر العباد لا تطلبوا معرفة الله ولا ما يستحقه من الصفات نفياً وإثباتاً لا من الكتاب ولا من السنة ولا من طريق سلف الأمة، ولكن انظروا أنتم فما وجدتموه مستحقاً له من الصفات في عقولكم فصفوه به سواء كان موجوداً في الكتاب والسنة أو لم يكن، وما لم تجدوه مستحقاً له في عقولكم فلا تصفوه به، وقد صرح طائفة منهم بما مضمونه أن كتاب الله لا يُهْتَدَى به في معرفة الله، وأن الرسول معزول عن التعليم والإخبار بصفات من أرسله ". وأطال الكلام، ثم قال:

"يا سبحان الله كيف لم يقل الرسول يوماً من الدهر ولا أحد من سلف الأمة هذه الآيات والأحاديث لا تعتقدوا ما دلت عليه، ولكن اعتقدوا الذي تقتضيه مقاييسكم.

ثم الرسول أخبر أن أمته ستفترق ثلاثاً وسبعين فرقة، فقد علم ما سيكون، ثم قال: "إني تارك فيكم ما تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله " ١. وقال في صفة الفرقة الناجية: "هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي " ٢ فهلا قال: من تمسك بظاهر القرآن في باب الاعتقاد فهو ضال، وإنما الهدى رجوعكم إلى مقاييس عقولكم، وما يحدثه المتكلمون منكم بعد القرون الثلاثة، وإن كان قد نبغ أصل هذه المقالة في أواخر عصر التابعين، ثم أصل مقالة التعطيل للصفات إنما هو مأخوذ عن تلامذة اليهود والنصارى، فإن أول من قالها في الإسلام الجعد بن درهم، وأخذها عنه جهم بن صفوان، والجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان، وأبان عن طالوت، وطالوت عن خاله لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثم القول الشامل في جميع هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، وبما وصفه به السابقون الأولون، لا نتجاوز به القرآن


١ أخرجه مسلم (٢٤٠٨) من حديث زيد بن أرقم. وفي الباب عن غيره من الصحابة. انظر تخريج أحاديثهم في "الصحيحة" (١٧٦١) .
٢ تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>